اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱضۡمُمۡ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٍ ءَايَةً أُخۡرَىٰ} (22)

قوله : { واضمم يَدَكَ إلى جناحك } لا بد هنا من حذف والتقدير : واضمم يَدَك تنضم وأخرجها تخرج ، فحذف من الأول والثاني وأبقى مقابليهما ليدلان على ذلك{[23824]} إيجازاً واختصاراً وإنما احتيج إلى هذا ، لأنه لا{[23825]} يترتب على مجرد الضم الخروج{[23826]} . وقوله : " بَيْضَاءَ " حال من فاعل تخرج{[23827]} .

قوله : { مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } يجوز أن يكون متعلقاً ب " تَخْرُج " {[23828]} وأن يكون متعلقاً ب " بَيْضَاءَ " لما فيها من معنى الفعل نحو ابيضت من غير سوء{[23829]} . ( ويجوز ){[23830]} أن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه حال من الضمير في " بَيْضَاء " {[23831]} .

وقوله : { مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } يسمى عند أهل البيان الاحتراس ، وهو أن يؤتى بشيء يرفع توهم مَنْ يتوهم غير المراد ، وذلك أن البياض قد يراد به البَرَص{[23832]} والبَهَق{[23833]} فأتى بقوله : { مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } نفياً لذلك{[23834]} .

قوله : { آيَةً } فيها أوجه :

أحدها : أن يكون حالاً ، أعني أنها بدل من ب " بَيْضَاءَ " الواقعة حالاً{[23835]} .

الثاني : أنها حالٌ من الضمير في " بَيْضَاء " {[23836]} .

الثالث : أنها حالٌ من ( الضمير في ){[23837]} الجار والمجرور{[23838]} .

والرابع : أنها منصوبة بفعل محذوف{[23839]} ، فقدره أبو البقاء : جعلنَاهَا آيَةً ، ( أو آتيناك ){[23840]} آيةً{[23841]} . وقدره الزمخشري : خُذْ آيَةً ، وقدر أيضاً : دونك آية{[23842]} . ورد أبو حيان هذا ، لأن ذلك من باب الإغراء{[23843]} ، ولا يجوز إضمار الظروف في الإغراء{[23844]} . قال : لأن العامل حُذِف وناب هذا مكانه ، فلا{[23845]} يجوز أن{[23846]} يحذف النائب أيضاً{[23847]} ، وأيضاً فإن أحكامها تخالف العامل الصريح ، فلا يجوز إضمارها وإن جاز إضمار الأفعال{[23848]} .

فصل

يقال{[23849]} لكل ناحيتين ، جَنَاحان{[23850]} كجناحي{[23851]} العسكر لطرفيه ، وجناحا{[23852]} الإنسان جانباه والأصل المستعار منه جناحا الطائر ، لأنه يجنحها عند الطيران .

وجناحا الإنسان عَضُدَاه{[23853]} أي : اضمم يدّك إلى إبْطِكَ تخرج بيضاء نيرة مشرقة من غير سوء وعن ابن عباس : " إلى جَنَاحِكَ " أي إلى صدرك .

والأول أولى ، لأن يدي{[23854]} الإنسان يشبهان جناحي الطائر ، ولأنه قال : " تَخْرُج بَيْضَاءَ " ولو كان المراد بالجناح الصدر لم يكن لقوله { تَخْرُج } معنى . ومعنى ضم اليد إلى الجناح ما قاله{[23855]} في آية أخرى " وَأدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ " {[23856]} ، لأنه إذا أدخل يده في جيبه كان كأنه قد ضم{[23857]} يده إلى جناحه .

والسوءُ : الرداءة والقبح{[23858]} في كل شيء ، وكنّى عن البَرَص كما كنّى عن العورة بالسَّوْأَة{[23859]} ، والبرَص أبغضُ شيء إلى العرب ، فكان جديراً بأن{[23860]} يُكْنَى عنه بالسُّوء ، وكان عليه السلام{[23861]} شديد الأدمة{[23862]} فكان إذا أدخل يده اليمنى في جيبه ، وأدخلها تحت إبطه الأيسر وأخرجها فكانت تبرق مثل البرق ، وقيل : مثل الشمس ، من غير برص ، ثم إذا ردَّها عادت{[23863]} إلى لونها الأول{[23864]} .

" آيَةً أُخْرَى " دلالة على صدقك سوى العصا .


[23824]:في ب: تلك.
[23825]:في ب: لما. وهو تحريف.
[23826]:انظر البحر المحيط 6/236.
[23827]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/66، البيان 2/141، التبيان 2/889.
[23828]:انظر التبيان 2/889.
[23829]:انظر الكشاف 1/431، القرطبي 11/191، البحر المحيط 6/236.
[23830]:ما بين القوسين سقط من ب.
[23831]:انظر التبيان 2/889، وجوز الحوفي وأبو البقاء أن يكون (من غير سوء) نعتا لـ (بيضاء) والعامل فيه الاستقراء. التبيان 2/889، والبحر المحيط 6/236.
[23832]:البرص: داء معروف، وهو بياض يقع في الجسد. اللسان (برص).
[23833]:البهق: بياض دون البرص، اللسان (بهق).
[23834]:انظر الإيضاح (203).
[23835]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/566 البيان 2/141، التبيان 2/889.
[23836]:انظر التبيان 2/889.
[23837]:ما بين القوسين سقط من ب.
[23838]:انظر التبيان 2/889.
[23839]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/566 الكشاف 2/431، البيان 2/141، التبيان 2/889.
[23840]:ما بين القوسين في ب: وقدرناها آية وأتيناها. وهو تحريف.
[23841]:التبيان 2/889.
[23842]:قال الزمخشري : (وفي نصب (آية) وجه آخر، وهو أن يكون بإضمار نحو: خذ، دونك ، و ما أشبه ذلك، حذف لدلالة الكلام) الكشاف 2/431.
[23843]:الإغراء: تنبيه المخاطب على أمر محمود ليفعله. شرح الأشموني 3/188.
[23844]:في ب: ولا يجوز الظرف أن يكون مضمرا في الإغراء.
[23845]:في ب: ولا.
[23846]:أن: مكررة في الأصل.
[23847]:أيضا: سقط من ب.
[23848]:انظر البحر المحيط 6/336. ورد أبو حيان على التقدير الثاني وهو (دونك آية)، فنص كلام أبي حيان (فأما تقدير (خذ) فسائغ، وأما (دونك) فلا يجوز، لأنه اسم فعل من باب الإغراء، فلا يجوز أن يحذف النائب والمنوب عنه، ولذلك لم يجر مجراه في جميع أحكامه) البحر المحيط 6/236 وابن مالك في شرح الكافية جوز إعمال أسماء الأفعال مضمرة وخرج عليه قول الشاعر: يـا أيها المـــائح دلــوي دونـــكا فجعل (دلوي) مفعولا بدونك مضمرا لدلالة ما بعده عليه، فإن إضمار اسم الفعل، متقدما ما عليه جائز عند سيبويه. شرح الكافية 3/1393 – 1395. قال سيبويه: (واعلم أنه يقبح: زيدا عليك، وزيدا حذرك، لأنه ليس من أمثلة الفعل، فقبح أن يجري ما ليس من الأمثلة مجراها، إلا أن تقول: زيدا، فتنصب بإضمار الفعل ثم يذكر عليك بعد ذلك) الكتاب 1/252 – 253.
[23849]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/30.
[23850]:في ب: جناحين وهو تحريف.
[23851]:في ب: كجناح. وهو تحريف.
[23852]:في ب: وجناح. وهو تحريف.
[23853]:في ب: وجناح الإنسان عضده.
[23854]:في ب: لا بد أن. وهو تحريف.
[23855]:في ب: كما قال. وهو تحريف.
[23856]:[النمل: 12].
[23857]:في ب: في جيبه يكون قد ضم.
[23858]:القبح: على هامش الأصل.
[23859]:في ب: عن العوق بالسوأة. وهو تحريف.
[23860]:في ب: ن. وهو تحريف.
[23861]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[23862]:الأدمة: السمرة.
[23863]:في ب: عادها ردت.
[23864]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/30.