تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمۡ تَخۡتَصِمُونَ} (31)

{ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } فيما تنازعتم فيه ، فيفصل بينكم بحكمه العادل ، ويجازي كُلًّا ما عمله { أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ }

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمۡ تَخۡتَصِمُونَ} (31)

قوله تعالى : { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } قال ابن عباس : يعني المحق ، والمبطل ، والظالم ، والمظلوم .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا ابن فنجويه ، حدثنا ابن مالك ، حدثنا ابن حنبل ، حدثنا ابن نمير ، حدثنا محمد يعني ابن عمرو عن يحيى ابن عبد الرحمن بن حاطب ، عن عبد الله بن الزبير ، عن الزبير بن العوام ، قال : " لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } قال الزبير : يا رسول الله أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ قال : نعم ، ليكررن عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه " قال الزبير : والله إن الأمر لشديد ، وقال ابن عمر : عشنا برهة من الدهر ، وكنا نرى أن هذه الآية أنزلت فينا ، وفي أهل الكتابين { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } قلنا : كيف نختصم وديننا وكتابنا واحد ؟ حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف ، فعرفت أنها نزلت فينا ، وعن أبي سعيد الخدري في هذه الآية قال : كنا نقول ربنا واحد ، وديننا واحد ، فما هذه الخصومة ؟ فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف ، قلنا : نعم ، هو هذا . وعن إبراهيم قال : لما نزلت { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } قالوا : كيف نختصم ونحن إخوان ؟ فلما قتل عثمان ، قال هذه خصومتنا .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح ، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، حدثنا ابن أبي ذئب . عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كانت لأخيه عنده ظلمة من عرض أو مال فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم ، فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له أخذ من سيئاته فحملت عليه " .

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أنبأنا أبو الحسن الطبري ، أنبأنا عبد الله بن عمر الجوهري ، حدثنا أحمد بن علي الكشمهيني ، حدثنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتدرون من المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع . قال : المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة ، وصيام وزكاة ، وكان قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيقضى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، قال : فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه ، أخذ من خطاياهم ، فطرحت عليه ، ثم طرح في النار " .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمۡ تَخۡتَصِمُونَ} (31)

قوله تعالى : " ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " يعني تخاصم الكافر والمؤمن والظالم والمظلوم . قاله ابن عباس وغيره . وفي خبر فيه طول : إن الخصومة تبلغ يوم القيامة إلى أن يحاج الروح الجسد . وقال الزبير : لما نزلت هذه الآية قلنا : يا رسول الله أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ قال : ( نعم ليكررن عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه ) فقال الزبير : والله إن الأمر لشديد . وقال ابن عمر : لقد عشنا برهة من دهرنا ونحن نرى هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين : " ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " فقلنا : وكيف نختصم ونبينا واحد وديننا واحد ، حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف ، فعرفت أنها فينا نزلت . وقال أبو سعيد الخدري : ( كنا نقول ربنا واحد وديننا واحد ونبينا واحد فما هذه الخصومة فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا نعم هو هذا ) . وقال إبراهيم النخعي : لما نزلت هذه الآية جعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : ما خصومتنا بيننا ؟ فلما قتل عثمان رضي الله عنه قالوا : هذه خصومتنا بيننا . وقيل تخاصمهم هو تحاكمهم إلى الله تعالى ، فيستوفي من حسنات الظالم بقدر مظلمته ، ويردها في حسنات من وجبت له . وهذا عام في جميع المظالم كما في حديث أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتدرون من المفلس ) قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع . قال : ( إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ) خرجه مسلم . وقد مضى المعنى مجودا في " آل عمران " وفي البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ) وفي الحديث المسند ( أول ما تقع الخصومات في الدنيا ) وقد ذكرنا هذا الباب كله في التذكرة مستوفى .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمۡ تَخۡتَصِمُونَ} (31)

ولما كان الشفاء الكامل إنما يكون بأخذ الثار ، وإذلال الظالم ، قال مشيراً بأداة التراخي إلى مدة البرزخ مؤكداً لأجل إنكارهم البعث فضلاً عن القصاص صادعاً لهم بالخطاب بعد الغيبة : { ثم إنكم } أي أيها العباد كلكم ، فإن كل أحد مسؤول عن نفسه وعن غيره هل راعى حق الله فيه ، أو أنت وهم من باب تغليب المخاطب وإن كان واحداً لعظمته على الغائبين ، وزاد في إثبات المعنى بقوله : { يوم القيامة } فساقه مساق ما لا خلاف فيه ، وبين أن ذلك الحال مخالف لهذا الحال لانقطاع الأسباب بقوله ، صارفاً القول إلى وصف التربية الذي يحق له الفضل على الطائع والعدل في العاصي { عند ربكم } أي المربي لكم بالخلق والرزق ، فلا يجوز في الحكمة أن يدعكم يبغي بعضكم على بعض كما هو مشاهد من غير حساب كما أن أقلكم عقلاً لا يرضى بذلك في عبيده الذين ملكه الله إياهم ملكاً ضعيفاً ، أو ولاه عليهم ولاية مزلزلة ، فكيف بمن فوقه فكيف بالحكماء { تختصمون * } أي تبالغون في الخصومة ليأخذ بيد المظلوم وينتقم له من الظالم ، ويجازي كلاًّ بما عمل ، أما في الشر فسوءاً بسوء ، لا يظلم مثقال ذرة ولا ما دونه ، وأما في الخير فالحسنة بعشرة أمثالها - إلى ما فوق ذلك مما لا يعلمه غيره ، فلا ينبغي أبداً لمظلوم أن يتوهم دوام نكده وعدم الأخذ بيده فيقتصر في العمل ويجنح إلى شيء من الخوف والوجل ، بل عليه أن يفرح بما يجزل ثوابه ، ويسر بما ييسر حسابه ، ويشتغل بما يخلص به نفسه في يوم التلاق الذي الناس فيه فريقان ، ولا يشتغل بما لا يكون من تصفية دار الكدر عن الأكدار ، وقرارة الدنس عن الأقذاء والأقذار ، فإن الدوام فيها محال على حال من الأحوال ، قال القشيري : نعاه صلى الله عليه وسلم إليه ونعى المسلمين إليهم ففرغوا بأنفسهم عن مأتمهم ، ولا تعزية في العادة بعد ثلاث ، ومن لم يتفرغ عن مأتم نفسه وأنواع غمومه وهمومه ، فليس له من هذا الحديث شمة ، وإذا فرغ قلب عن حديث نفسه وعن الكون بجملته ، فحينئذ يجد الخير من ربه وليس هذا الحديث إلا بعد فنائهم عنهم ، وأنشد بعضهم يعني في لسان الحال بما قدمنا :

كتبت إليكم بعد موتي بليلة *** ولم أدر أني بعد موتي أكتب

انتهى . ومن المعلوم أنهم إذا أماتوا نفوسهم حييت أرواحهم ، فانفسحت صدورهم ، وانتعشت قوى قلوبهم فاتسعت علومهم ، واستنارت فهومهم ، وتجلت لهم حقائق الأمور ، فحدثوا عن مشاهدة { الناس نيام } فإذا ماتوا انتبهوا .