{ فَإِنْ تَابُوا ْ } عن شركهم ، ورجعوا إلى الإيمان { وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ْ } وتناسوا تلك العداوة إذ كانوا مشركين لتكونوا عباد اللّه المخلصين ، وبهذا يكون العبد عبدا حقيقة . لما بين من أحكامه العظيمة ما بين ، ووضح منها ما وضح ، أحكاما وحِكَمًا ، وحُكْمًا ، وحكمة قال : { وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ ْ } أي : نوضحها ونميزها { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ْ } فإليهم سياق الكلام ، وبهم تعرف الآيات والأحكام ، وبهم عرف دين الإسلام وشرائع الدين .
اللهم اجعلنا من القوم الذين يعلمون ، ويعملون بما يعلمون ، برحمتك وجودك وكرمك [ وإحسانك يا رب العالمين ] .
{ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة فإخوانكم في الدين }
تفريع حكم على حكم لتعقيب الشدّة باللين إن هم أقلعوا عن عداوة المسلمين بأن دخلوا في الإسلام لقصد مَحو أثر الحنق عليهم إذا هم أسلموا أعقب به جملة : { إنهم ساء ما كانوا يعملون } إلى قوله { المعتدون } [ التوبة : 9 ، 10 ] تنبيهاً لهم على أنّ تداركهم أمرهم هين عليهم ، وفرّع على التوبة أنّهم يصيرون إخواناً للمؤمنين . ولمّا كان المقام هنا لذكر عداوتهم مع المؤمنين جعلت توبتهم سبباً للأخوّة مع المؤمنين ، بخلاف مقام قوله قبله { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } [ التوبة : 5 ] حيث إنّ المعقّب بالتوبة هنالك هو الأمر بقتالهم والترصّد لهم ، فناسب أن يفرّع على توبتهم عدم التعرّض لهم بسوء . وقد حصل من مجموع الآيتين أنّ توبتهم توجب أمنهم وأخُوّتهم .
ومن لطائف الآيتين أن جعلت الأخوة مذكورة ثانياً لأنّها أخصّ الفائدتين من توبتهم ، فكانت هذه الآية مؤكّدة لأختها في أصل الحكم .
وقوله : { فإخوانكم } خبر لمحذوف أي : فَهم إخوانكم . وصيغ هذا الخبر بالجملة الاسمية : للدلالة على أنّ إيمانهم يقتضي ثبات الأخوّة ودوامَها ، تنبيهاً على أنّهم يعودون كالمؤمنين السابقين من قبل في أصل الأخوّة الدينية .
والإخوان جمع أخ في الحقيقة والمجاز ، وأطلقت الأخوّة هنا على المودّة والصداقة .
والظرفية في قوله : { في الدين } مجازية : تشبيهاً للملابسة القوية بإحاطة الظرف بالمظروف زيادة في الدلالة على التمكّن من الإسلام وأنّه يَجُبُّ ما قبله .
اعتراض وتذييل ، والواو اعتراضية ، ومناسبة موقعه عقب قوله : { اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً } [ التوبة : 9 ] أنّه تضمّن أنّهم لم يهتدوا بآيات الله ونبذوها على علم بصحّتها كقوله تعالى : { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم } [ الجاثية : 23 ] ، وباعتبار ما فيه من فرض توبتهم وإيمانهم إذا أقلعوا عن إيثار الفساد على الصلاح ، فكان قوله : { ونفصل الآيات لقوم يعلمون } جامعاً للحالين ، دالاً على أنّ الآيات المذكورة آنفاً في قوله : { اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا } [ التوبة : 9 ] آيات واضحة مفصّلة ، وأنّ عدم اهتداء هؤلاء بها ليس لنقص فيها ولكنّها إنّما يهتدي بها قوم يعلمون ، فإن آمنوا فقد كانوا من قوم يعلمون . ويفهم منه أنّهم إن اشتروا بها ثمناً قليلاً فليسوا من قوم يعلمون ، فنُزّل علمهم حينئذ منزلة عدمه لانعدام أثر العلم ، وهو العمل بالعلم ، وفيه نداء عليهم بمساواتهم لغير أهل العقول كقوله : { وما يعقلها إلا العالمون } [ العنكبوت : 43 ] .
وحُذف مفعول { يعلمون } لتنزيل الفعل منزلة اللازم إذ أريد به : لقوم ذوي علم وعقل .
وعطف هذا التذييل على جملة : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين } لأنّه به أعلق ، لأنّهم إن تابوا فقد صاروا إخوانا للمسلمين ، فصاروا من قوم يعلمون ، إذ ساووا المسلمين في الاهتداء بالآيات المفصّلة .
ومعنى التفصيل تقدّم في قوله تعالى : { وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين } من سورة الأنعام ( 55 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.