تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبۡلِ أَن تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهِمۡۖ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (34)

{ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } أي : من هؤلاء المحاربين ، { فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي : فيسقط عنه ما كان لله ، من تحتم القتل والصلب والقطع والنفي ، ومن حق الآدمي أيضا ، إن كان المحارب كافرا ثم أسلم ، فإن كان المحارب مسلما فإن حق الآدمي ، لا يسقط عنه من القتل وأخذ المال . ودل مفهوم الآية على أن توبة المحارب -بعد القدرة عليه- أنها لا تسقط عنه شيئا ، والحكمة في ذلك ظاهرة .

وإذا كانت التوبة قبل القدرة عليه ، تمنع من إقامة الحد في الحرابة ، فغيرها من الحدود -إذا تاب من فعلها ، قبل القدرة عليه- من باب أولى .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبۡلِ أَن تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهِمۡۖ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (34)

{ إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } استثناء مخصوص بما هو حق الله سبحانه وتعالى ويدل عليه قوله تعالى : { فاعلموا أن الله غفور رحيم } أما القتل قصاصا فإلى الأولياء يسقط بالتوبة وجوبه لا جوازه ، وتقييد التوبة بالتقدم على القدرة يدل على أنها بعد القدرة لا تسقط الحد وإن أسقطت العذاب ، وأن الآية في قطاع المسلمين لأن توبة المشرك تدرأ عنه العقوبة قبل القدرة وبعدها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبۡلِ أَن تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهِمۡۖ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (34)

وقوله تعالى : { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } استثنى عز وجل التائب قبل أن يقدر عليه وأخبر بسقوط حقوق الله عنه بقوله تعالى : { فاعلموا أن الله غفور رحيم } واختلف الناس في معنى الآية فقال قتادة والزهري في كتاب الأشراف : ذلك لأهل الشرك .

قال القاضي أبو محمد : من حيث رأيا الوعيد بعد العقاب ، وهذا ضعيف ، والعلماء على أن الآية في المؤمنين وأن المحارب إذا تاب قبل القدرة عليه فقط سقط عنه حكم الحرابة ولا نظر للإمام فيه إلا كما ينظر في سائر المسلمين ، فإن طلبه أحد بدم نظر فيه وأقاد منه إذا كان الطالب ولياً ، وكذلك يتبع بما وجد عنده من مال الغير وبقيمة ما استهلك من الأموال ، هذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي ذكره ابن المنذر ، وقال قوم من الصحابة والتابعين : إنه لا يطلب من المال إلا بما وجد عنده بعينه ، وأما ما استهلك فلا يطلب به ، وذكر الطبري ذلك عن مالك من رواية الوليد بن مسلم عنه ، وهو الظاهر من فعل علي بن أبي طالب بحارثة بن بدر الغداني فإنه كان محارباً ثم تاب قبل القدرة عليه فكتب له بسقوط الأموال والدم كتاباً منشوراً ، وحكى الطبري عن عروة بن الزبير أنه قال : لا تقبل توبة المحارب ، ولو قبلت لاجترؤوا ، وكان فساد كثي ، ولكن لو فر إلى العدو ثم جاء تائباً لم أر عليه عقوبة .

قال القاضي أبو محمد : لا أدري هل أراد ارتد أم لا ، وقال الأوزاعي نحوه إلا أنه قال : إذا لحق بدار الحرب فارتد عن الإسلام أبو بقي عليه ثم جاء تائباً من قبل أن يقدر عليه قبلت توبته .

قال القاضي أبو محمد : والصحيح من هذا كله مذهب الفقهاء الذي قررته آنفاً أن حكم الحرابة يسقط ويبقى كسائر المسلمين ، واختلف إذا كان المال أقل مما يقطع فيه السارق ، فقال مالك : ذلك كالكثير ، وقال الشافعي وأصحاب الرأي : لا يقطع من المحاربين إلا من أخذ ما يقطع فيه السارق .