الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبۡلِ أَن تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهِمۡۖ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (34)

33

وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وسعيد بن جبير قالا : إن جاء تائباً لم يقطع مالاً ، ولا سفك دماً ، فذلك الذي قال الله { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في كتاب الأشراف وابن جرير وابن أبي حاتم عن الشعبي قال : كان حارثة بن بدر التميمي من أهل البصرة ، قد أفسد في الأرض وحارب ، وكلم رجالاً من قريش أن يستأمنوا له علياً فأبوا ، فأتى سعيد بن قيس الهمداني ، فأتى علياً فقال : يا أمير المؤمنين ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً ؟ قال : أن يقتلوا ، أو يصلبوا ، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، أو ينفوا من الأرض ، ثم قال { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } فقال سعيد : وإن كان حارثة بن بدر ؟ فقال : هذا حارثة بن بدر قد جاء تائباً فهو آمن ؟ قال : نعم .

قال : فجاء به إليه ، فبايعه وقَبِل ذلك منه وكتب له أماناً .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن الأشعث عن رجل قال : صلى رجل مع أبي موسى الأشعري الغداة ، ثم قال : هذا مقام العائذ التائب ، أنا فلان بن فلان ، أنا كنت ممن حارب الله ورسوله وجئت تائباً من قبل أن يقدر عليَّ ، فقال أبو موسى : إن فلان ابن فلان كان ممن حارب الله ورسوله وجاء تائباً من قبل أن يقدر عليه ، فلا يعرض له أحد إلا بخير ، فإن يكن صادقاً فسبيلي ذلك ، وإن يك كاذباً فلعل الله أن يأخذه بذنبه .

وأخرج عبد بن حميد عن عطاء أنه سئل عن رجل سرق سرقة فجاء تائباً من غير أن يؤخذ عليه ، هل عليه حد ؟ قال : لا ، ثم قال { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم . . . } الآية .

وأخرج أبو داود في ناسخه عن السدي في قوله { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } قال : سمعنا انه إذا قَتَلَ قُتِلَ ، وإذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده بالمال ، ورجله بالمحاربة ، وإذا قتل وأخذ المال قطعت يده ورجلاه وصلب { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } فإن جاء تائباً إلى الإمام قبل أن يقدر عليه فأمنه الإمام فهو آمن ، فإن قتله إنسان بعد أن يعلم أن الإمام قد أمنه قتل به ، فإن قتله ولم يعلم أن الإمام قد أمنه كانت الدية .