تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبۡلِ أَن تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهِمۡۖ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (34)

وقوله تعالى : { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } قد ذكرنا في ما تقدم أن قطاع الطريق إذا تابوا ، قبل أن يقدر عليهم سقطت عنهم الحدود التي هي لله تعالى ، لا يؤاخذون بها ، و ليست كغيرها من الحدود التي تلزم في غير المحاربة . إن التوبة لا يعمل في إسقاطها لوجهين :

أحدهما : أن التوبة من غير المحارب لا تظهر حقيقة ، فإذا لم تظهر لم يعمل في إسقاط ما وجب ، ومن المحارب تظهر لأنه في يدي نفسه إذا ترك المحاربة والسعي في الأرض بالفساد ، وظهرت منه التوبة ، فلم يؤاخذ به ، وفي سائر الحدود لا يظهر منه ترك ما كان يرتكب لذلك [ افترقا .

والثاني : أنه لو لم يقل منه ذلك ] لتمادى في السعي بالفساد في حق المسلمين من الضرر أكثر مما لو آخذوه بذلك ، فاستحسن قبول ذلك منهم ودرء ما وجب عليهم من الحدود التي هي لله تعالى . وأما الحقوق التي هي للعباد فذلك إلى الأولياء ؛ إن شاؤوا تركوا ، والله أعلم .

وقوله : «ومن جاء مسلما هدم بالإسلام ما كان بالشرك » [ القرطبي : 3/266 ] معناه : إذا جاء تائبا لأن الحدود زواجر ، والإسلام يزيد في الزجر والتغليظ ، فلا يجوز ما كان سببا للتغليظ [ أن يكون ] سببا لإسقاطه . دل أن المعنى منه : من جاء مسلما ثانيا ، والله أعلم .