{ فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم } روي : أن قومه كان لهم عيد يخرجون إليه فدعوه إلى الخروج معهم ، فحينئذ قال : { إني سقيم } ليمتنع عن الخروج معهم ، فيكسر أصنامهم إذا خرجوا لعيدهم وفي تأويل ذلك ثلاثة أقوال :
الأول : أنها كانت تأخذه الحمى في وقت معلوم ، فنظر في النجوم ليرى وقت الحمى ، واعتذر عن الخروج لأنه سقيم من الحمى .
الثاني : أن قومه كانوا منجمين وكان هو يعلم أحكام النجوم فأوهمهم أنه استدل بالنظر في علم النجوم أنه يسقم ، فاعتذر بما يخاف من السقم عن الخروج معهم .
الثالث : أن معنى نظر في النجوم أنه نظر وفكر فيما يكون من أمره معهم فقال : { إني سقيم } والنجوم على هذا ما ينجم من حاله معهم ، وليست بنجوم السماء ، وهذا بعيد وقوله : { إني سقيم } على حسب هذه الأقوال يحتمل أن يكون حقا لا كذب فيه ولا تجوز أصلا ، ويعارض هذا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أن إبراهيم كذب ثلاث كذبات ، أحدها : قوله : { إني سقيم } ، ويحتمل أن يكون كذبا صراحا ، وجاز له ذلك لهذا الاحتمال لأنه فعل ذلك من أجل الله إذ قصد كسر الأصنام " ، ويحتمل أن يكون من المعاريض فإن أراد أنه سقيم فيما يستقبل لأن كل إنسان لا بد له أن يمرض ، أو أراد أنه سقيم النفس من كفرهم وتكذيبهم له وهذان التأويلان أولى ، لأن نفي الكذب بالجملة معارض للحديث ، والكذب الصراح لا يجوز على الأنبياء ، عند أهل التحقيق ، أما المعاريض فهي جائزة .
{ فقال } أي عقب هذه النظرة موهماً أنها سببه .
ولما كان بدنه صحيحاً فكان بصدد أن يتوقف في خبره ، أكد فقال : { إني سقيم * } فأوهم أن مراده أنه مريض الجسد وأراد أنه مريض القلب يسبب آلهتهم ، مقسم الفكر في أمرهم لأنه يريد أمراً عظيماً وهو كسرها ، ومادة " سقم " بتقاليبها الخمسة : سقم سمق قسم قمس مقس ، تدور على القسم ، فالسقام كسحاب وجبل وقفل : المرض ، أي لأنه يقسم القوة والفكر ، وقال ابن القطاع : سقم : طاولة المرض . وقسمه جزأه ، والدهر القوم : فرقهم ، والقسم - بالكسر : النصيب والقسم أي بالفتح : العطاء ، ولا يجمع ، والرأي والشك والعيب والماء والقدر والخلق والعادة ، ويكسر فيهما ، والتفريق ظاهر في ذلك كله ، أما العطاء فيفرق المال ويقسمه ، والرأي يقسم الفكر ، والشك كذلك ، والعيب يقسم العرض ، والماء في غاية ما يكون من سهولة القسم ، والقدر يفصل صاحبه من غيره ، وكذا الخلق والعادة ، والمقسم كمعظم : المهموم - لتوزع فكره ، والجميل - لأنه يقسم القول في وصفه ، والقسم محركة : اليمين بالله ، وقد أقسم ، أي أزال تقسيم الفكر ، والقسامة : الحسن - لأنه يوزع فكر الناظر ، وجونة العطار - كذلك لطيب ريحها ، والقسام - كسحاب : شدة الحر - لأنها تزعج الفكر فتقسمه ، أو هو أول وقت الهاجرة أو وقت ذرور الشمس ، وهي حينئذ أحسن ما تكون مرآة - فينقسم الفكر فيها لحسنها إذ ذاك وما يطرأ عليها بعده . والقمس : الغوص - لأن الغائص قسم الماء بغوصه ، والقمس أيضاً اضطراب الولد في البطن لأنه يقسم الفكر ، ويكاد أن يقسم البطن باضطرابه ، والقاموس : معظم البحر - لأن البحر قسم الأرض ، ومعظمه أحق بهذا الاسم ، والقوامس : الدواهي - لتقسيمها الفكر ، وانقمس النجم : غرب ، أي أخذ قسمه من الغروب كما أخذه من الشروق ، أو أزال التقسيم بالسير ، ومقسه في الماء : غطه - فانقسم الماء بغمسه فيه ، والقربة : ملأها ، فصير فيها من الماء ما يسهل قسمه ، وأخذه الماء الذي وضعه فيها تقسيم للماء المأخوذ منه ، ومقس الشيء : كسره ، والماء : جرى - فانقسم وقسم الأرض ، وهو يمقس الشعر كيف شاء ، أي بقوله فيقسمه من باقي الكلام ، والتقميس في الماء : الإكثار من صبه ، فإن ذلك تقسيم له ، وسمق سموقاً : علا وطال فصار بطوله يقبل من القسمة ما لا يقبله ما هو دونه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.