تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ عَلَيۡنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ} (38)

{ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } ثم فسر تلك الملة بقوله : { مَا كَانَ لَنَا } أي : ما ينبغي ولا يليق بنا { أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ } بل نفرد الله بالتوحيد ، ونخلص له الدين والعبادة .

{ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ } أي : هذا من أفضل مننه وإحسانه وفضله علينا ، وعلى من هداه الله كما هدانا ، فإنه لا أفضل من منة الله على العباد بالإسلام والدين القويم ، فمن قبله وانقاد له فهو حظه ، وقد حصل له أكبر النعم وأجل الفضائل .

{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } فلذلك تأتيهم المنة والإحسان ، فلا يقبلونها ولا يقومون لله بحقه ، وفي هذا من الترغيب للطريق التي هو عليها ما لا يخفى ، فإن الفتيين لما تقرر عنده أنهما رأياه بعين التعظيم والإجلال -وأنه محسن معلم- ذكر لهما أن هذه الحالة التي أنا عليها ، كلها من فضل الله وإحسانه ، حيث منَّ عليَّ بترك الشرك وباتباع ملة آبائه ، فبهذا وصلت إلى ما رأيتما ، فينبغي لكما أن تسلكا ما سلكت .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ عَلَيۡنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ} (38)

{ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } يقول : هجرت طريق الكفر والشرك ، وسلكت طريق هؤلاء المرسلين ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وهكذا يكون حال من سلك طريق الهدى ، واتبع المرسلين ، وأعرض عن طريق الظالمين{[15174]} فإنه يهدي قلبه ويعلّمه ما لم يكن يعلمه ، ويجعله إماما يقتدى{[15175]} به في الخير ، وداعيا إلى سبيل الرشاد .

{ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ } هذا التوحيد - وهو الإقرار بأنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له ، { مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا } أي : أوحاه إلينا ، وأمرنا به { وَعَلَى النَّاسِ } إذ جعلنا دعاة لهم إلى ذلك { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ } {[15176]} أي : لا يعرفون نعمة الله عليهم بإرسال الرسل إليهم ، بل { بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ } [ إبراهيم : 28 ] .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سِنَان ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا حجاج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ؛ أنه كان يجعل الجد أبا ، ويقول : والله فمن{[15177]} شاء لاعناه عند الحجْر ، ما ذكر الله جدا ولا جدة ، قال الله تعالى - يعني إخبارا عن يوسف : { وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ }


[15174]:- في ت ، أ : "الضالين".
[15175]:- في ت : "يهتدي".
[15176]:- في أ : "لا يعلمون".
[15177]:- في ت ، أ : "لمن".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ عَلَيۡنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ} (38)

وقوله : { واتبعت } الآية ، تمادٍ من يوسف عليه السلام في دعائهما إلى الملة الحنيفية ، وزوال عن مواجهة - مجلث - لما تقتضيه رؤياه .

وقرأ «آبائي » بالإسكان في الياء الأشهب العقيلي وأبو عمرو ، وقرأ الجمهور «آبائيَ » بياء مفتوحة ، قال أبو حاتم : هما حسنتان فاقرأ كيف شئت . وأما طرح الهمزة فلا يجوز ، ولكن تخفيفها جيد ؛ فتصير ياء مكسورة بعد ياء ساكنة أو مفتوحة .

وقوله : { ذلك } إشارة إلى ملتهم وشرعهم ، وكون ذلك فضلاً عليهم بين ، إذ خصهم الله تعالى بذلك وجعلهم أنبياء . وكونه فضلاً على الناس هو إذ يدعون به إلى الدين ويساقون إلى النجاة من عذاب الله عز وجل .

وقوله { من شيء } هي { من } الزائدة المؤكدة التي تكون مع الجحد . وقوله { لا يشكرون } يريد الشكر التام الذي فيه الإيمان .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ عَلَيۡنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ} (38)

ذكر آباءه تعليماً بفضلهم ، وإظهاراً لسابقية الصلاح فيه ، وأنه متسلسل من آبائه ، وقد عقله من أول نشأته ثم تأيد بما علّمه ربّه فحصل له بذلك الشرف العظامي والشرف العصامي . ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكرم الناس : « يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم نبيء ابن نبيء ابن نبيء ابن نبيء » . ومثل هذه السلسلة في النبوءة لم يجتمع لأحد غير يوسف عليه السّلام إذا كان المراد بالنبوءة أكملها وهو الرسالة ، أو إذا كان إخوة يوسف عليه السّلام غير أنبياء على رأي فريق من العلماء .

وأراد باتّباع ملّة آبائه اتباعَها في أصولها قبل أن يعطى النبوءة إذا كان فيما أوحي إليه زيادة على ما أوحي به إلى آبائه من تعبير الرؤيا والاقتصاد ؛ أو أن نبوءته كانت بوحي مثل ما أوحي به إلى آبائه ، كقوله تعالى : { شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً } إلى قوله { أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه } [ سورة الشورى : 13 ] .

وذكر السلف الصالح في الحقّ يزيد دليل الحقّ تمكّناً ، وذكر ضدهم في الباطل لقصد عدم الحجة بهم بمجردهم . كما في قوله الآتي : { ما تعبدون من دونه إلا أسماء سمّيتموها أنتم وآباؤكم } [ سورة يوسف : 40 ] .

وجملة { ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء } في قوة البيان لما اقتضته جملة { واتّبعتُ ملة آبائي } من كون التوْحيد صار كالسجية لهم عرف بها أسلافه بين الأمم ، وعرّفهم بها لنفسه في هذه الفرصة . ولا يخفى ما تقتضيه صيغة الجحود من مبالغة انتفاء الوصف على الموصوف ، كما تقدم في قوله تعالى : { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب } في سورة آل عمران ( 79 ) ، وعند قوله تعالى : { قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقٍ } في آخر سورة العقود ( 116 ) .

و { من } في قوله : { مِن شيء } مزيدة لتأكيد النفي . وأدخلت على المقصود بالنفي .

وجملة { ذلك من فضل الله علينا } زيادة في الاستئناف والبيان لقصد الترغيب في اتباع دين التوحيد بأنه فضل .

وقوله : { وعلى الناس } أي الذين يتبعونهم ، وهو المقصود من الترغيب بالجملة .

وأتَى بالاستدراك بقوله : { ولكن أكثر الناس لا يشكرون } للتصريح بأن حال المخاطبين في إشراكهم حال من يكفر نعمة الله ، لأن إرسال الهداة نعمة ينبغي أن ينظر الناس فيها فيعلموا أن ما يدعونَهم إليه خير وإنقاذ لهم من الانحطاط في الدنيا والعذاب في الآخرة ، ولأن الإعراض عن النظر في أدلة صدق الرسل كفر بنعمة العقل والنظر .