ثم قال مخبرًا عن تمام علمه بهم ، أولهم وآخرهم : { وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ }
قال ابن عباس ، رضي الله عنهما{[16137]} المستقدمون : كل من هلك من لدن آدم ، عليه السلام ، والمستأخرون : من هو حي ومن سيأتي إلى يوم القيامة .
وروي نحوه عن عكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، ومحمد بن كعب ، والشعبي ، وغيرهم . وهو اختيار ابن جرير ، رحمه الله{[16138]}
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن رجل{[16139]} عن مَرْوان بن الحكم أنه قال : كان أناس يستأخرون في الصفوف من أجل النساء فأنزل الله : { وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ }{[16140]}
وقد ورد في هذا حديث غريب جدا ، فقال ابن جرير :
حدثني{[16141]} محمد بن موسى الحَرَشِي ، حدثنا نوح بن قيس ، حدثنا عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة - قال ابن عباس : لا والله ما إنْ رأيت مثلها قط ، وكان بعض المسلمين إذا صلوا استقدموا يعني : لئلا يراها - وبعض يستأخرون ، فإذا سجدوا نظروا إليها من تحت أيديهم ! ! فأنزل الله : { وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ }
وكذا رواه أحمد وابن أبي حاتم في تفسيره ، والترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما{[16142]} وابن ماجة من طرق عن نوح بن قيس الحُداني{[16143]} وقد وثقه أحمد وأبو داود وغيرهما ، وحكي عن ابن معين تضعيفه ، وأخرج له مسلم وأهل السنن .
وهذا الحديث فيه نكارة شديدة ، وقد رواه عبد الرزاق ، عن جعفر بن سليمان ، عن عمرو بن مالك وهو النكري{[16144]} أنه سمع أبا الجوزاء يقول في قوله : { وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ } في الصفوف في الصلاة{ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ } فالظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط ، ليس فيه لابن عباس ذكر{[16145]} وقد قال الترمذي : هذا أشبه من رواية نوح بن قيس{[16146]} والله أعلم .
وهكذا روى ابن جرير عن محمد بن أبي معشر ، عن أبيه : أنه سمع عون بن عبد الله يُذاكر محمد بن كعب في قوله : { وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ } وأنها في صفوف الصلاة ، فقال محمد بن كعب : ليس هكذا ، { وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ } الميت والمقتول و{ الْمُسْتَأْخِرِينَ } من يُخلقُ بَعْدُ ، { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } فقال عون بن عبد الله : وفقك الله وجزاك خيرًا{[16137]}
ثم أخبر تعالى بإحاطة علمه بمن تقدم من الأمم ، بمن تأخر في الزمن من يوم أهبط آدم إلى الأرض إلى يوم القيامة ، وأعلم أنه هو الحاشر لهم الجامع لعرض القيامة على تباعدهم في الأزمان والأقطار ، وأن حكمته وعلمه يأتيان بهذا كله على أتم غاياته التي قدرها وأرادها .
وقرأ الأعرج «يحشِرهم » بكسر الشين .
قال القاضي أبو محمد : بهذا سياق معنى الآية ، وهو قول جمهور المفسرين : وقال الحسن : معنى قوله : { ولقد علمنا المستقدمين } أي في الطاعة ، والبدار إلى الإيمان والخيرات ، و { المستأخرين } بالمعاصي .
قال القاضي أبو محمد : وإن كان اللفظ يتناول كل تقدم وتأخر على جميع وجوهه فليس يطرد سياق معنى الآية إلا كما قدمنا ، وقال ابن عباس ومروان بن الحكم وأبو الجوزاء : نزل قوله : { ولقد علمنا } الآية ، في قوم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تصلي وراءه امرأة جميلة ، فكان بعض القوم يتقدم في الصفوف لئلا تفتنه ، وكان بعضهم يتأخر ليسرق النظر إليها في الصلاة ، فنزلت الآية فيهم .
قال القاضي أبو محمد : وما تقدم الآية من قوله : { ونحن الوارثون } وما تأخر من قوله : { وإن ربك يحشرهم } ، يضعف هذه التأويلات ، لأنها تذهب اتصال المعنى ، وقد ذكر ذلك محمد بن كعب القرظي لعون بن عبد الله{[7160]} .
لما ذكر الإحياء والإماتة وكان الإحياء بكسر الهمزة يذكر بالأحياء بفتحها ، وكانت الإماتة تذكّر بالأموات الماضين تخلص من الاستدلال بالأحياء والإماتة على عظم القدرة إلى الاستدلال بلازم ذلك على عظم علم الله وهو علمه بالأمم البائدة وعلم الأمم الحاضرة ؛ فأريد بالمستقدمين الذين تقدموا الأحياء إلى الموت أو إلى الآخرة ، فالتقدم فيه بمعنى المضي ؛ وبالمستأخرين الذين تأخروا وهم الباقون بعد انقراض غيرهم إلى أجل يأتي .
والسين والتاء في الوصفين للتأكيد مثل استجاب ؛ ولكن قولهم استقدم بمعنى تقدم على خلاف القياس لأن فعله رباعي . وقد تقدم عند قوله تعالى { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } في سورة الأعراف ( 34 ) .
وقد تقدم في طالع تفسير هذه السورة الخبر الذي أخرجه الترمذي في جامعه من طريق نوح بن قيس ومن طريق جعفر بن سليمان في سبب نزول هذه الآية . وهو خبر واهٍ لا يلاقي انتظام هذه الآيات ولا يكون إلا من التفاسير الضعيفة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.