لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَـٔۡخِرِينَ} (24)

قوله عز وجل { ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين } عن ابن عباس قال : كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس فكان بعض الناس يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها . ويتأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر ، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه فأنزل الله عز وجل ولقد علمنا المستقدمين منكم ، ولقد علمنا المستأخرين أخرجه النسائي وأخرجه الترمذي وقال فيه وقد روي عن ابن الجوزي نحوه . ولم يذكر فيه عن ابن عباس وهذا أشبه أن يكون أصح قال البغوي وذلك أن النساء كن يخرجن إلى الجماعة فيقفن خلف الرجال فربما كان من الرجال من في قلبه ريبة فيتأخر إلى آخر صف الرجال ، ومن النساء من في قلبها ريبه فتتقدم إلى أول صف النساء لتقرب من الرجال فنزلت هذه الآية فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه سلم : « خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها . وشرها أولها » أخرجه مسلم عن أبي هريرة . وقال ابن عباس : أراد بالمستقدمين من خلق الله وبالمستأخرين من لم يخلق الله تعالى بعد . وقال مجاهد : المستقدمون القرون الأولى والمستأخرون أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وقال الحسن : المستقدمون يعني في الطاعة والخير والمستأخرون يعني فيهما . وقال الأوزاعي : أراد بالمستقدمين المصلين في أول الوقت وبالمستأخرين المؤخرين لها إلى آخره . وقال مقاتل : أراد بالمستقدمين وبالمستأخرين في صف القتال . وقال ابن عيينة : أراد من يسلم أولاً ومن يسلم آخراً . وقال ابن عباس في رواية أخرى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حرض على الصف الأول فازدحموا عليه ، وقال قوم كانت بيوتهم قاصة عن المسجد : لنبيعن دورنا ونشتري دوراً قريبة من المسجد حتى ندرك الصف المقدم . فنزلت هذه الآية ، ومعناها إنما تجزون على النيات فاطمأنوا وسكنوا فيكون معنى الآية على القول الأول المستقدم للتقوى والمستأخر للنظر ، وعلى القول الأخير المستقدم لطلب الفضيلة والمستأخر للعذر ، ومعنى الآية أن علمه سبحانه وتعالى محيط بجميع خلقه مقدمهم ومتأخرهم طائعهم وعاصيهم ، لا يخفى عليه شيء من أحوال خلقه .