الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَـٔۡخِرِينَ} (24)

{ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستئخرين } [ الحجر : 24 ] . أي : من لَدُنْ آدم إِلى يوم القيامة .

قال ابن العربيِّ في «أحكامه » روي الترمذيُّ وغيره في سبب نُزُولِ هذه الآية ، عن ابن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : كَانَتِ امرأة تصلِّي خَلْفَ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قال ابن عبَّاس : وَلاَ ، واللَّهِ ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَهَا قَطُّ ، قال : فَكَانَ بعْضُ المسلمين ، إِذا صَلَّوا تقدَّموا ، وبعضُهم يستأَخر ، فإِذا سجدوا نَظَرُوا إِليها مِنْ تَحْت أيديهم ، فأنزل اللَّه الآيَةَ ، ثم قال ابنُ العربيِّ : في شَرْحِ المراد بهذه الآية خَمْسَةُ أقوالَ :

أحدهما : هذا القول والثاني : المتقدِّمين في الخَلْق إِلى اليوم ، والمتأخِّرين الذين لم يخلقوا بَعْد ، بيانٌ أن اللَّه يَعْلَمُ الموجُودَ والمَعْدُومَ ، قاله قتادة وجماعة . الثَّالثُ : مَنْ مات ، ومَنْ بقي ، قاله ابن عَبَّاس أيضاً ، الرابع : المستَقْدِمِين : سائرُ الأمم ، والمستأخرِينَ أمَّة سيِّدنا محمد صلى الله عليه وسلم قاله مجاهد ، والخامس : قال الحَسَنُ : معناه : المتقدِّمين في الطاعة ، والمستأخرين في المعصية ، انتهى .

قلت ( ت ) : والحديثُ المتقدِّم ، إِنْ صحَّ ، فلا بد من تأويله ، فإِن الصحابة ينزَّهُونَ عن فعْلِ ما ذُكِرَ فيه ، فيؤوَّل بأنَّ ذلك صَدَرَ من بعضِ المنافقين ، أوْ بعضِ الأعراب الذين قَرُبَ عهدهم بالإِسلام ، ولم يَرْسَخِ الإِيمان في قلوبهم ، وأما ابنُ عبَّاس ، فإِنه كان يومَئِذٍ صغيراً بلا شك ، هذا إِن كانت الآيةُ مدنيَّةً ، فإِن كانت مكيَّةً ، فهو يومئذٍ في سِنِّ الطفوليَّة ، وبالجملة فالظاهرُ ضَعْفُ هذا الحديثِ من وُجوهٍ ، انتهى . وباقي الآية بيِّن .