الأولى : قوله تعالى : " ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين " فيه ثمان تأويلات : " المستقدمين " في الخلق إلى اليوم ، و " المستأخرين " الذين لم يخلقوا بعد ، قاله قتادة وعكرمة وغيرهما . الثاني - " المستقدمين " الأموات ، و " المستأخرين " الأحياء ، قاله ابن عباس والضحاك . الثالث : " المستقدمين " من تقدم أمة محمد ، و " المستأخرين " أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله مجاهد . الرابع - " المستقدمين " في الطاعة والخير ، و " المستأخرين " في المعصية والشر ، قاله الحسن وقتادة أيضا . الخامس - " المستقدمين " في صفوف الحرب ، و " المستأخرين " فيها ، قاله سعيد بن المسيب . السادس : " المستقدمين " من قتل في الجهاد ، و " المستأخرين " من لم يقتل ، قاله القرظي . السابع : " المستقدمين " أول الخلق ، و " المستأخرين " آخر الخلق ، قاله الشعبي . الثامن : " المستقدمين " في صفوف الصلاة ، و " المستأخرين " فيها بسبب النساء . وكل هذا معلوم الله تعالى ، فإنه عالم بكل موجود ومعدوم ، وعالم بمن خلق وما هو خالقه إلى يوم القيامة . إلا أن القول الثامن هو سبب نزول الآية ؛ لما رواه النسائي والترمذي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال : " كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن الناس ، فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ، ويتأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر ، فإذا ركع نظر من تحت إبطه ، فأنزل الله عز وجل " ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين " . وروي عن أبي الجوزاء ولم يذكر ابن عباس . وهو أصح{[9646]} .
الثانية : هذا يدل على فضل أول الوقت في الصلاة وعلى فضل الصف الأول ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا{[9647]} عليه لاستهموا ) . فإذا جاء الرجل عند الزوال فنزل في الصف الأول مجاور الإمام ، حاز ثلاث مراتب في الفضل : أول الوقت ، والصف الأول ، ومجاورة الإمام . فإن جاء عند الزوال فنزل في الصف الآخر أو فيما نزل عن الصف الأول ، فقد حاز فضل أول الوقت وفاته فضل الصف الأول والمجاورة . فإن جاء وقت الزوال ونزل في الصف الأول دون ما يلي الإمام فقد حاز فضل أول الوقت وفضل الصف الأول ، وفاته مجاورة الإمام . فإن جاء بعد الزوال ونزل في الصف الأول فقد فاته فضيلة أول الوقت ، وحاز فضيلة الصف الأول ومجاورة الإمام . وهكذا . ومجاورة الإمام لا تكون لكل أحد ، وإنما هي كما قال صلى الله عليه وسلم : ( ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ) الحديث . فيما يلي الإمام ينبغي أن يكون لمن كانت هذه صفته ، فإن نزلها غيره أخر وتقدم وهو إلى الموضع ؛ لأنه حقه بأمر صاحب الشرع ، كالمحراب هو موضع الإمام تقدم أو تأخر ، قاله ابن العربي .
قلت : وعليه يحمل قول عمر رضي الله عنه : تأخر يا فلان ، تقدم يا فلان ، ثم يتقدم فيكبر . وقد روي عن كعب أن الرجل من هذه الأمة ليخر ساجدا فيغفر لمن خلفه . وكان كعب يتوخى الصف المؤخر من المسجد رجاء ذلك ، ويذكر أنه وجده كذلك في التوراة . ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول . وسيأتي في سورة " الصافات{[9648]} " زيادة بيان لهذا الباب إن شاء الله تعالى .
الثالثة : وكما تدل هذه الآية على فضل الصف الأول في الصلاة ، فكذلك تدل على فضل الصف الأول في القتال ، فإن القيام في نحر العدو ، وبيع العبد نفسه من الله تعالى لا يوازيه عمل ، فالتقدم إليه أفضل ، ولا خلاف فيه ولا خفاء به . ولم يكن أحد يتقدم في الحرب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه كان أشجع الناس . قال البراء : كنا والله إذا احمر البأس نتقي به ، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.