وقوله : { تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا } أي : يكاد يكون ذلك عند سماعهن{[19148]} هذه المقالة من فجرة بني آدم ، إعظامًا للرب وإجلالا ؛ لأنهن مخلوقات ومؤسسات على توحيده ، وأنه لا إله إلا هو ، وأنه لا شريك له ، ولا نظير له ولا ولد له ، ولا صاحبة له ، ولا كفء له ، بل هو الأحد الصمد :
وفي كُلّ شَيءٍ له آيةٌ *** تَدُل على أنه واحِدُ
قال ابن جرير : حدثني علي ، حدثنا عبد الله ، حدثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا } قال : إن الشرك{[19149]} فزعت منه السماوات والأرض والجبال ، وجميع الخلائق إلا الثقلين ، فكادت أن تزول منه لعظمة الله ، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك ، كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله ، فمن قالها عند موته وجبت له الجنة " . قالوا : يا رسول الله ، فمن قالها في صحته ؟ قال : " تلك أوجب وأوجب " . ثم قال : " والذي نفسي بيده ، لو جيء بالسماوات والأرضين{[19150]} وما فيهن ، وما بينهن ، وما تحتهن ، فوضعن في كفة الميزان ، ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى ، لرجحت بهن " {[19151]}
هكذا رواه ابن جرير ، ويشهد له حديث البطاقة ، والله أعلم .
وقال الضحاك : { تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } أي : يتشققن فَرَقًا{[19152]} من عظمة الله .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : { وَتَنْشَقُّ الأرْضُ } أي : غضبًا لله ، عز وجل .
{ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا } قال ابن عباس : هدمًا .
وقال سعيد بن جبير : { هَدًّا } ينكسر بعضها على بعض متتابعات .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن سُوَيْد المقبري ، حدثنا سفيان بن عيينة ، حدثنا مسعر ، عن عون بن{[19153]} عبد الله قال : إن الجبل لينادي الجبل باسمه : يا فلان ، هل مر بك اليوم ذاكرُ الله عز وجل{[19154]} ؟ فيقول : نعم ، ويستبشر . قال عون : لهي{[19155]} للخير أسمع ، أفيسمعن{[19156]} الزور والباطل إذا قيل ولا يسمعن{[19157]} غيره ، ثم قرأ : { تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا }{[19158]}
وقال ابن أبي حاتم أيضًا : حدثنا المنذر بن شاذان ، حدثنا هَوْذَة ، حدثنا عوف ، عن غالب بن عَجْرَد ، حدثني رجل من أهل الشام في مسجد مِنَى قال : بلغني أن الله لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر ، لم يكن في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة - أو قال : كان لهم فيها منفعة - ولم تزل الأرض والشجر بذلك ، حتى تكلم فجرة بني آدم بتلك الكلمة العظيمة ، قولهم : { اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا } فلما تكلموا بها اقشعرت الأرض ، وشكاك الشجر .
وقال كعب الأحبار : غضبت الملائكة ، واستعرت النار{[19159]} ، حين قالوا ما قالوا .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن أبي موسى ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أحد{[19160]} أصبر على أذى يسمعه{[19161]} من الله ، إنه يشرك به ، ويجعل له ولدًا ، وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم " .
أخرجاه في الصحيحين{[19162]} وفي لفظ : " إنهم يجعلون له ولدًا ، وهو يرزُقُهم ويعافيهم " .
{ تكاد السماوات } وقرأ نافع والكسائي بالياء . { يتفطرن منه } يتشققن مرة بعد أخرى ، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة وأبو بكر ويعقوب " ينفطرن " ، والأول أبلغ لأن التفعل مطاوع فعل والانفعال مطاوع فعل ولأن أصل التفعل التكلف . { وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا } تهد هدا أو مهدودة ، أو لأنها تهد أي تكسر وهو تقرير لكونه أدا ، والمعنى ، أن هول هذه الكلمة وعظمها بحيث لو تصورت بصورة محسوسة لم تتحملها هذه الأجرام والعظام وتفتت من شدتها ، أو أن فظاعتها مجلبة لغضب الله بحيث لولا حلمه لخرب العالم وبدد قوائمه غضبا على من تفوه بها .
قرأ نافع والكسائي بياء تحتية على عدم الاعتداد بالتأنيث ، وذلك جائز في الاستعمال إذا لم يكن الفعل رافعاً لضمير مؤنث متصل ، وقرأ البقية : { تكاد } بالتاء المثناة الفوقية ، وهو الوجه الآخر .
والتفطر : الانشقاق ، والجمع بينه وبين { وتنشق الأرض } تفنّن في استعمال المترادف لدفع ثقل تكرير اللفظ . والخرور : السقوط .
ومن في قوله : { منه } للتعليل ، والضمير المجرور بمن عائد إلى { شيئاً إداً } ، أو إلى القول المستفاد من { قالوا اتخذ الرحمن ولداً } .
والكلام جار على المبالغة في التهويل من فظاعة هذا القول بحيث إنه يبلغ إلى الجمادات العظيمة فيُغيّر كيانها .
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وحفص عن عاصم ، والكسائي : يتفطرن بمثناة تحتية بعدها تاء فوقية . وقرأ أبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، وأبو جعفر ، ويعقوب ، وخلف ، وأبو بكر عن عاصم ، بتحتية بعدها نون ، من الانفطار . والوجهان مطاوع فطَر المضاعف أو فطر المجرد ، ولا يكاد ينضبط الفرق بين البنيتين في الاستعمال . ولعلّ محاولة التّفرقة بينهما كما في « الكشاف » و« الشافية » لا يطرد ، قال تعالى : { ويوم تشقق السماء بالغمام } [ الفرقان : 25 ] ، وقال : { إذا السماء انشقت } [ الانشقاق : 1 ] ، وقرىء في هذه الآية : { ينفطرون } و{ ينفطرن } ، والأصل توافق القرآتين في البلاغة .
والهدّ : هدم البناء . وانتصب { هَدّاً } على المفعولية المطلقة لبيان نوع الخرور ، أي سقوط الهَدم ، وهو أن يتساقط شظايا وقطعاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.