سَاءَ مَثَلا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ أي : ساء وقبح ، مثل من كذب بآيات اللّه ، وظلم نفسه بأنواع المعاصي ، فإن مثلهم مثل السوء ، وهذا الذي آتاه اللّه آياته ، يحتمل أن المراد به شخص معين ، قد كان منه ما ذكره اللّه ، فقص اللّه قصته تنبيها للعباد . ويحتمل أن المراد بذلك أنه اسم جنس ، وأنه شامل لكل من آتاه اللّه آياته فانسلخ منها .
وفي هذه الآيات الترغيب في العمل بالعلم ، وأن ذلك رفعة من اللّه لصاحبه ، وعصمة من الشيطان ، والترهيب من عدم العمل به ، وأنه نزول إلى أسفل سافلين ، وتسليط للشيطان عليه ، وفيه أن اتباع الهوى ، وإخلاد العبد إلى الشهوات ، يكون سببا للخذلان .
وقوله : { سَاءَ مَثَلا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ } يقول تعالى ساء مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا ، أي : ساء مثلهم أن شبهوا بالكلاب التي{[12400]} لا همة لها{[12401]} إلا في تحصيل أكلة أو شهوة ، فمن خرج عن حَيِّز العلم والهدى وأقبل على شهوة نفسه ، واتبع هواه ، صار شبيها بالكلب ، وبئس المثل مثله ؛ ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس لنا مثل السوء ، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه " {[12402]}
وقوله : { وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ } أي : ما ظلمهم الله ، ولكن هم ظلموا أنفسهم ، بإعراضهم عن اتباع الهدى ، وطاعة المولى ، إلى الركون إلى دار البلى ، والإقبال على تحصيل اللذات وموافقة الهوى .
{ ساء مثلا القوم } أي مثل القوم ، وقرئ { ساء مثل القوم } على حذف المخصوص بالذم . { الذين كذّبوا بآياتنا } بعد قيام الحجة عليهم وعلمهم بها . { وأنفسهم كانوا يظلمون } إما أن يكون داخلا في الصلة معطوفا على كذبوا بمعنى : الذين جمعوا بين تكذيب الآيات وظلم أنفسهم ، أو منقطعا عنها بمعنى : وما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم فإن وباله لا يتخطاها ، ولذلك قدم المفعول .
جملة مستأنفة لأنها جعلت إنشاء ذَم لهم ، بأن كانوا في حالة شنيعة وظلموا أنفسهم .
والظلم هنا على حقيقته فإنهم ظلموا أنفسهم بما أحلّوه بها من الكفر الذي جعلهم مذمومين في الدنيا ومعذبين في الآخرة .
وتقديم المفعول للاختصاص ، أي ما ظلموا إلا أنفسهم ، وشأن العاقل أن لا يؤذي نفسه ، وفيه إزالة تبجحهم بأنهم لم يتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم ظناً منهم أن ذلك يغيظه ويغيظ المسلمين ، وإنما يضُرون أنفسهم .
وجملة : { وأنفسهم كانوا يظلمون } يجوز أن تكون معطوفة على الصلة باعتبار أنهم معروفون بمضمون هذه الجملة عند النبي والمسلمين ، ويجوز أن تكون معطوفة على جملة : { ساء مثلاً القوم } فتكون تذييلاً للجملة التي قبلها إخباراً عنهم بأنهم في تكذيبهم ، وإنتفاء من القصص ما ظلموا إلا أنفسهم .
وقوله : { كانوا يظلمون } أقوى في إفادة وصفهم بالظلم من أن يقال : وظلموا أنفسهم ، كما تقدم في قوله تعالى : { وليكون من الموقنين } في سورة الأنعام ( 75 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.