تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞إِنَّآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ كَمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ نُوحٖ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَٰرُونَ وَسُلَيۡمَٰنَۚ وَءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورٗا} (163)

{ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا * رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا }

يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله من الشرع العظيم والأخبار الصادقة ما أوحى إلى هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفي هذا عدة فوائد :

منها : أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل ، بل أرسل الله قبله من المرسلين العدد الكثير والجم الغفير فاستغراب رسالته لا وجه له إلا الجهل والعناد .

ومنها : أنه أوحى إليه كما أوحى إليهم من الأصول والعدل الذي اتفقوا عليه ، وأن بعضهم يصدق بعضا ويوافق بعضهم بعضا .

ومنها : أنه من جنس هؤلاء الرسل ، فليعتبره المعتبر بإخوانه المرسلين ، فدعوته دعوتهم ؛ وأخلاقهم متفقة ؛ ومصدرهم واحد ؛ وغايتهم واحدة ، فلم يقرنه بالمجهولين ؛ ولا بالكذابين ولا بالملوك الظالمين .

ومنها : أن في ذكر هؤلاء الرسل وتعدادهم من التنويه بهم ، والثناء الصادق عليهم ، وشرح أحوالهم مما يزداد به المؤمن إيمانا بهم ومحبة لهم ، واقتداء بهديهم ، واستنانا بسنتهم ومعرفة بحقوقهم ، ويكون ذلك مصداقا لقوله : { سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ } { سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ } { سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ } { سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }

فكل محسن له من الثناء الحسن بين الأنام بحسب إحسانه . والرسل -خصوصا هؤلاء المسمون- في المرتبة العليا من الإحسان .

ولما ذكر اشتراكهم بوحيه ذكر تخصيص بعضهم ، فذكر أنه آتى داود الزبور ، وهو الكتاب المعروف المزبور الذي خص الله به داود عليه السلام لفضله وشرفه ، وأنه كلم موسى تكليما ، أي : مشافهة منه إليه لا بواسطة حتى اشتهر بهذا عند العالمين فيقال : " موسى كليم الرحمن " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞إِنَّآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ كَمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ نُوحٖ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَٰرُونَ وَسُلَيۡمَٰنَۚ وَءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورٗا} (163)

قال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال سُكَين وعَديّ بن زيد : يا محمد ، ما نعلم أن الله أنزل{[8720]} على بشر من شيء بعد موسى . فأنزل الله في ذلك من قولهما : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ } إلى آخر الآيات .

وقال ابن جرير : حدثنا الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا أبو مَعْشر ، عن محمد بن كعب القرظي قال : أنزل الله : { يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ } إلى قوله { وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا } فما تلاها عليهم - يعني على اليهود - وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة ، جحدوا كل ما أنزل الله وقالوا : ما أنزل الله على بشر من شيء ، ولا موسى ولا عيسى ، ولا على نبي من شيء . قال : فحَلّ حُبْوته ، وقال : ولا على أحد . . فأنزل الله عز وجل : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ } [ الأنعام : 91 ] .

وفي هذا الذي قاله محمد بن كعب القرظي نظر ؛ فإن هذه الآية مكية في سورة الأنعام ، وهذه الآية التي في سورة النساء مدنية ، وهي رد عليهم لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابًا من السماء ، قال الله تعالى { فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ } [ النساء : 153 ] ، ثم ذكر فضائحهم ومعايبهم وما كانوا عليه ، وما هم عليه الآن من الكذب والافتراء . ثم ذكر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما أوحى إلى غيره من الأنبياء المتقدمين ، فقال : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا }

والزبور : اسم الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود ، عليه السلام ، وسنذكر ترجمة كل واحد من هؤلاء الأنبياء ، عليهم من الله [ أفضل ]{[8721]} الصلاة والسلام ، عند قصصهم في السور الآتية ، إن شاء الله ، وبه الثقة ، وعليه التكلان .


[8720]:في ر: "ما نعلم أنزل الله".
[8721]:زيادة من أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞إِنَّآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ كَمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ نُوحٖ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَٰرُونَ وَسُلَيۡمَٰنَۚ وَءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورٗا} (163)

{ إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده } جواب لأهل الكتاب عن اقتراحهم أن ينزل عليهم كتابا من السماء ، واحتجاج عليهم بأن أمره في الوحي كسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . { وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان } خصهم بالذكر مع اشتمال النبيين عليهم تعظيما لهم ، فإن إبراهيم أول أولي العزم منهم وعيسى آخرهم ، والباقين أشرف الأنبياء ومشاهيرهم . { وآتينا داود زبورا } وقرأ حمزة { زبورا } بالضم وهو جمع زبر . بمعنى مزبور .