تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{سَأَصۡرِفُ عَنۡ ءَايَٰتِيَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَإِن يَرَوۡاْ كُلَّ ءَايَةٖ لَّا يُؤۡمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوۡاْ سَبِيلَ ٱلرُّشۡدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلٗا وَإِن يَرَوۡاْ سَبِيلَ ٱلۡغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلٗاۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ عَنۡهَا غَٰفِلِينَ} (146)

145

وأما غيرهم ، فقال عنهم : سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ أي : عن الاعتبار في الآيات الأفقية والنفسية ، والفهم لآيات الكتاب الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أي : يتكبرون على عباد اللّه وعلى الحق ، وعلى من جاء به ، فمن كان بهذه الصفة ، حرمه اللّه خيرا كثيرا وخذله ، ولم يفقه من آيات اللّه ما ينتفع به ، بل ربما انقلبت عليه الحقائق ، واستحسن القبيح .

وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا لإعراضهم واعتراضهم ، ومحادتهم للّه ورسوله ، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ أي : الهدى والاستقامة ، وهو الصراط الموصل إلى اللّه ، وإلى دار كرامته لا يَتَّخِذُوهُ أي : لا يسلكوه ولا يرغبوا فيه وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ أي : الغواية الموصل لصاحبه إلى دار الشقاء يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا والسبب في انحرافهم هذا الانحراف ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ فردهم لآيات اللّه ، وغفلتهم عما يراد بها واحتقارهم لها - هو الذي أوجب لهم من سلوك طريق الغي ، وترك طريق الرشد ما أوجب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{سَأَصۡرِفُ عَنۡ ءَايَٰتِيَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَإِن يَرَوۡاْ كُلَّ ءَايَةٖ لَّا يُؤۡمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوۡاْ سَبِيلَ ٱلرُّشۡدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلٗا وَإِن يَرَوۡاْ سَبِيلَ ٱلۡغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلٗاۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ عَنۡهَا غَٰفِلِينَ} (146)

يقول تعالى : { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } أي : سأمنع فهم{[12133]} الحجج والأدلة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي ، ويتكبرون على الناس{[12134]} بغير حق ، أي : كما استكبروا بغير حق أذلهم الله بالجهل ، كما قال تعالى : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ الأنعام : 110 ] وقال تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [ الصف : 5 ]

وقال بعض السلف : لا ينال العلم حيي ولا مستكبر .

وقال آخر : من لم يصبر على ذل التعلم ساعة ، بقي في ذل الجهل أبدا .

وقال سفيان بن عُيَينة في قوله : { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } قال : أنزع عنهم فهم القرآن ، وأصرفهم عن آياتي .

قال ابن جرير : وهذا يدل على أن هذا خطاب لهذه الأمة{[12135]}

قلت : ليس هذا بلازم ؛ لأن ابن عيينة إنما أراد أن هذا مطرد في حق كل أمة ، ولا فرق بين أحد وأحد في هذا ، والله أعلم .

وقوله : { وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا } كما قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ } [ يونس : 96 ، 97 ] .

وقوله : { وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا } أي : وإن ظهر لهم سبيل الرشد ، أي : طريق النجاة لا يسلكوها ، وإن ظهر لهم طريق الهلاك والضلال يتخذوه سبيلا .

ثم علل مصيرهم إلى هذه الحال بقوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } أي : كذبت بها قلوبهم ، { وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ } أي : لا يعلمون شيئًا مما فيها .


[12133]:في أ: "منهم".
[12134]:في أ: "على الله".
[12135]:تفسير الطبري (13/113).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{سَأَصۡرِفُ عَنۡ ءَايَٰتِيَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَإِن يَرَوۡاْ كُلَّ ءَايَةٖ لَّا يُؤۡمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوۡاْ سَبِيلَ ٱلرُّشۡدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلٗا وَإِن يَرَوۡاْ سَبِيلَ ٱلۡغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلٗاۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ عَنۡهَا غَٰفِلِينَ} (146)

{ سأصرف عن آياتي } المنصوبة في الأفاق والأنفس . { الذين يتكبرون في الأرض } بالطبع على قلوبهم فلا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها . وقيل سأصرفهم عن إبطالها وان اجتهدوا ما فعل فرعون فعاد عليه باعلائها أو باهلاكهم . { بغير الحق } صلة يتكبرون أي يتكبرون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل ، أو حال من فاعله . { وإن يروا كل آية } منزلة أو معجزة . { لا يؤمنوا بها } لعنادهم واختلال عقولهم بسبب انهماكهم في الهوى والتقليد وهو يؤيد الوجه الأول . { وان يروا سبيل الرُّشد لا يتخذوه سبيلا } لاستيلاء الشيطنة عليهم . وقرأ حمزة والكسائي " الرَّشَد " بفتحتين وقرئ " الرشاد " وثلاثتها لغات كالسقم والسقم والسقام ، { وإن يروا سبيل الغيّ يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين } أي ذلك الصرف بسبب تكذيبهم وعدم تدبرهم للآيات ، ويجوز أن ينصب ذلك على المصدر أي سأصرف ذلك الصرف بسببهما .