وأنه إذا أذاقه رحمة من بعد ضراء مسته ، أنه يفرح ويبطر ، ويظن أنه سيدوم له ذلك الخير ، ويقول : { ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } أي : فرح{[425]} بما أوتي مما يوافق هوى نفسه ، فخور بنعم الله على عباد الله ، وذلك يحمله على الأشر والبطر والإعجاب بالنفس ، والتكبر على الخلق ، واحتقارهم وازدرائهم ، وأي عيب أشد من هذا ؟ "
وهذه طبيعة الإنسان من حيث هو ، إلا من وفقه الله وأخرجه من هذا الخلق الذميم إلى ضده ،
يخبر تعالى عن الإنسان وما فيه من الصفات الذميمة ، إلا من رحم الله من عباده المؤمنين ، فإنه إذا أصابته شدة بعد نعمة ، حصل له يأس{[14511]} وقنوط من الخير بالنسبة إلى المستقبل ، وكفر وجحود لماضي الحال ، كأنه لم ير خيرا ، ولم يَرْج{[14512]} بعد ذلك فرجا . وهكذا إن{[14513]} أصابته نعمة بعد نقمة { لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي } أي : يقول : ما بقي ينالني بعد هذا ضيم ولا سوء ، { إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } أي : فرح بما في يده ، بطر فخور على غيره .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرّآءَ مَسّتْهُ لَيَقُولَنّ ذَهَبَ السّيّئَاتُ عَنّيَ إِنّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلاّ الّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ أُوْلََئِكَ لَهُمْ مّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } .
يقول تعالى ذكره : ولئن نحن بسطنا للإنسان في دنياه ، ورزقناه رخاء في عيشه ، ووسعنا عليه في رزقه وذلك هي النعم التي قال الله جلّ ثناؤه : وَلَئِنْ أذَقْناهُ نَعْماءَ . وقوله : بَعْدَ ضَرّاءَ يقول : بعد ضيق من العيش كان فيه وعسرة كان يعالجها . لَيَقُولَنّ ذَهَبَ السّيّئاتُ عَنّي يقول تعالى ذكره : ليقولنّ عند ذلك : ذهب الضيق والعسرة عني ، وزالت الشدائد والمكاره . إنّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ يقول تعالى ذكره : إن الإنسان لفرح بالنعم التي يُعطاها مسرور بها فخور ، يقول : ذو فخر بما نال من السعة في الدنيا وما بسط له فيها من العيش ، وينسي صروفها ونكد العوارض فيها ، ويدع طلب النعيم الذي يبقي والسرور الذي يدوم فلا يزول .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : ذَهَبَ السّيّئاتُ عَنّي غرّة بالله وجراءة عليه . إنّهُ لَفَرِحٌ والله لا يحبّ الفرحين ، فَخُورٌ بعد ما أعطي الله ، وهو لا يشكر الله .
ثم استثني جلّ ثناؤه من الإنسان الذي وصفه بهاتين الصفتين الذين صبروا وعملوا الصالحات . وإنما جاز استثناؤهم منه لأن الإنسان بمعنى الجنس ومعنى الجمع ، وهو كقوله : وَالعَصْرِ إنّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ فقال تعالى ذكره : إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات ، فإنهم إن تأتهم شدّة من الدنيا وعسرة فيها لم يثنهم ذلك عن طاعة الله ، ولكنهم صبروا لأمره وقضائه ، فإن نالوا فيها رخاء وسعة شكروه وأدّوا حقوقه بما أتاهم منها . يقول الله : أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ يغفرها لهم ، ولا يفضحهم بها في معادهم . وأجْرٌ كَبِيرٌ يقول : ولهم من الله مع مغفرة ذنوبهم ثواب على أعمالهم الصالحة التي عملوها في دار الدنيا جزيل ، وجزاء عظيم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : إلا الذين صبروا عند البلاء وعملوا الصالحات عند النعمة ، لهم مغفرة لذنوبهم ، وأجر كبير . قال : الجنة .
و «النعماء » تشمل الصحة والمال ونحو ذلك و «الضراء » من الضر وهو أيضاً شامل . وقد يكثر استعمال الضراء فيما يخص البدن .
ولفظة { ذهب السيئات عني } تقتضي بطراً وجهلاً أن ذلك بإنعام من الله ، واعتقاد أن ذلك اتفاق أو بسعد من الاعتقادات الفاسدة ، وإلا فلو قالها من يعتقد أن ذهابها بإنعام من الله وفضل ، لم يقع ذلك .
و { السيئات } ها هنا كل ما يسوء في الدنيا .
وقرأت فرقة «لفرِح » بكسر الراء ، وقرأت فرقة : لفرُح «بضمها ، وهذا الفرح مطلق ، ولذلك ذم ، إذ الفرح انهمال النفس : ولا يأتي الفرح في القرآن ممدوحاً إلا إذا قيد بأنه في خير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.