تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمۡ فِي بَعۡضِ ٱلۡأَمۡرِۖ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِسۡرَارَهُمۡ} (26)

وذلك أنهم قد تبين لهم الهدى ، فزهدوا فيه ورفضوه ، و { قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ } من المبارزين العداوة لله ولرسوله { سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ } أي : الذي يوافق أهواءهم ، فلذلك عاقبهم الله بالضلال ، والإقامة على ما يوصلهم إلى الشقاء الأبدي ، والعذاب السرمدي .

{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } فلذلك فضحهم ، وبينها لعباده المؤمنين ، لئلا يغتروا بها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمۡ فِي بَعۡضِ ٱلۡأَمۡرِۖ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِسۡرَارَهُمۡ} (26)

{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نزلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ }

أي : مالئوهم وناصحوهم في الباطن على الباطل ، وهذا شأن المنافقين يظهرون خلاف ما يبطنون ؛ ولهذا قال الله عز وجل : { وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } أي : [ يعلم ]{[26713]} ما يسرون وما يخفون ، الله مطلع عليه وعالم به ، كقوله : { وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ } [ النساء : 81 ] .


[26713]:- (1) زيادة من ت.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمۡ فِي بَعۡضِ ٱلۡأَمۡرِۖ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِسۡرَارَهُمۡ} (26)

القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَالُواْ لِلّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزّلَ اللّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } .

يقول تعالى ذكره : أملى الله لهؤلاء المنافقين وتركهم ، والشيطان سول لهم ، فلم يوفقهم للهدى من أجل أنهم قَالُوا لِلّذِينَ كَرِهُوا ما نَزّلَ اللّهُ من الأمر بقتال أهل الشرك به من المنافقين : سَنُطِيعُكُمْ في بَعْضِ الأَمْرِ الذي هو خلاف لأمر الله تبارك وتعالى ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ذلكَ بأنّهُمْ قالُوا للّذِينَ كَرِهُوا ما نَزّلَ اللّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ فهؤلاء المنافقون وَاللّهُ يَعْلَمُ إسْرَارَهُمْ يقول تعالى ذكره : والله يعلم إسرار هذين الحزبين المتظاهرين من أهل النفاق ، على خلاف أمر الله وأمر رسوله ، إذ يتسارّون فيما بينهم بالكفر بالله ومعصية الرسول ، ولا يخفى عليه ذلك ولا غيره من الأمور كلها .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة «أسْرَارُهُمْ » بفتح الألف من أسرارهم على وجه جماع سرّ . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة إسْرَارَهُمْ بكسر الألف على أنه مصدر من أسررت إسرارا .

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمۡ فِي بَعۡضِ ٱلۡأَمۡرِۖ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِسۡرَارَهُمۡ} (26)

{ ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله } أي قال اليهود للذين كفروا بالنبي عليه الصلاة والسلام بعدما تبين لهم نعته للمنافقين ، أو المنافقون لهم أو أحد الفريقين للمشركين . { سنطيعكم في بعض الأمر } في بعض أموركم أو في بعض ما تأمرون به كالقعود عن الجهاد والموافقة في الخروج معهم إن أخرجوا ، والتظافر على الرسول صلى الله عليه وسلم . { والله يعلم أسرارهم } ومنها قولهم هذا الذي أفشاه الله عليهم ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص " إسرارهم " على المصدر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمۡ فِي بَعۡضِ ٱلۡأَمۡرِۖ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِسۡرَارَهُمۡ} (26)

استئناف بياني إذ التقدير أن يسأل سائل عن مظهر تسويل الشيطان لهم الارتدادَ بعد أن تبين لهم الهدى ، فأجيب بأن الشيطان استدرجهم إلى الضلال عندما تبين لهم الهدى فسوّل لهم أن يوافقوا أهل الشرك والكفر في بعض الأمور مسولاً أن تلك الموافقة في بعض الأمر لا تنقض اهتداءهم فلما وافقوهم وجدوا حلاوة ما ألفوه من الكفر فيما وافقوا فيه أهل الكفر فأخذوا يعودون إلى الكفر المألوف حتى ارتدوا على أدبارهم . وهذا شأن النفس في معاودة ما تحبه بعد الانقطاع عنه إن كان الانقطاع قريب العهد .

فمعنى { قالوا } : قالوا قولاً عن اعتقاد ورأي ، وإنما قالوا : { في بعض الأمر } احترازاً لأنفسهم إذا لم يطيعوا في بعض .

و { الذين كرهوا ما نزّل الله } هم الذين كرهوا القرآن وكفروا ، وهم : إما المشركون من أهل مكة قال تعالى فيهم { ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم } [ محمد : 9 ] وقد كانت لهم صلة بأهل يثرب فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة اشتد تعهد أهل مكة لأصحابهم من أهل يثرب ليتطلعوا أحوال المسلمين ، ولعلهم بعد يوم بدر كانوا يكيدون للمسلمين ويتأهبون للثأر منهم الذي أنجزوه يوم أحد . وإما اليهود من قريظة والنضير فقد حكى الله عنهم في قوله : { ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب } [ الحشر : 11 ] .

فالمراد ب { بعض الأمر } على الوجه الأول في محمل قوله : { إن الذين ارتدوا على أدبارهم } [ محمد : 25 ] إفشاء بعض أحوال المسلمين إليهم وإشعارهم بوفرة عدد المنافقين وإن كانوا لا يقاتلون لكراهتهم القتال . والمراد ب { بعض الأمر } على الوجه الثاني بعض أمر القتال ، يعنون تلك المكيدة التي دبروها للانخزال عن جيش المسلمين .

والأمر هو : شأن الشرك وما يلائم أهله ، أي نطيعكم في بعض الكفر ولا نطيعكم في جميع الشؤون لأن ذلك يفضح نفاقهم ، أو المراد في بعض ما تأمروننا به من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول كالخلق على المخلوق .

وأيًّا مَّا كان فهمُ قالوا ذلك للمشركين سرّاً فاطلع الله عليه نبيئه صلى الله عليه وسلم ولذلك قال تعالى : { والله يعلم أسرارهم } . وقرأ الجمهور { أسرارهم } بفتح الهمزة جمع سرّ . وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف بكسر الهمزة مصدر أسَرَّ .