تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوَلَا يَذۡكُرُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ يَكُ شَيۡـٔٗا} (67)

{ أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا } أي : أو لا يلفت نظره ، ويستذكر حالته الأولى ، وأن الله خلقه أول مرة ، ولم يك شيئا ، فمن قدر على خلقه من العدم ، ولم يكن شيئا ، مذكورا ، أليس بقادر على إنشائه بعد ما تمزق ، وجمعه بعد ما تفرق ؟ وهذا كقوله : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ }

وفي قوله : { أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ } دعوة للنظر ، بالدليل العقلي ، بألطف خطاب ، وأن إنكار من أنكر ذلك ، مبني على غفلة منه عن حاله الأولى ، وإلا فلو تذكرها وأحضرها في ذهنه ، لم ينكر ذلك .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوَلَا يَذۡكُرُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ يَكُ شَيۡـٔٗا} (67)

يخبر تعالى عن الإنسان أنه يتعجب ويستبعد إعادته بعد موته ، كما قال تعالى : { وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ الرعد : 5 ] ، وقال : { أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [ يس : 77 - 79 ] ، وقال هاهنا : { وَيَقُولُ الإنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا } يستدل ، تعالى ، بالبداءة على الإعادة ، يعني أنه ، تعالى [ قد ]{[19012]} خلق الإنسان ولم يك شيئًا ، أفلا يعيده وقد صار شيئًا ، كما قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] ، وفي الصحيح : " يقول الله تعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني ، وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني ، أما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليّ من آخره ، وأما أذاه إياي فقوله : إن لي ولدًا ، وأنا الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد{[19013]} ولم يكن له{[19014]} كفوًا أحد " {[19015]} .


[19012]:زيادة من ف، أ.
[19013]:في ت، ف، أ: "ألد ولم أولد".
[19014]:في ف، أ: "لي".
[19015]:صحيح البخاري برقم (4975).

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَوَلَا يَذۡكُرُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ يَكُ شَيۡـٔٗا} (67)

يقول الله تعالى ذكره : أَوَ لاَ يذكرُ الإنسانُ المتعجب من ذلك المنكر قدرة الله على إحيائه بعد فنائه ، وإيجاده بعد عدمه في خلق نفسه ، أن الله خلقه من قبل مماته ، فأنشأه بشرا سويا من غير شيء ولمْ يكُ من قبل إنشائه إياه شَيئا فيعتبر بذلك ويعلم أن من أنشأه من غير شيء لا يعجز عن إحيائه بعد مماته ، وإيجاده بعد فنائه .

وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله أوَلا يَذْكُرُ الإنْسانُ فقرأه بعض قرّاء المدينة والكوفة : أوَلا يَذْكُرُ بتخفيف الذال ، وقد قرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة والحجاز : «أوَلا يَذّكّرُ » بتشديد الذال والكاف ، بمعنى : أو لا يتذكر ، والتشديد أعجب إليّ ، وإن كانت الأخرى جائزة ، لأن معنى ذلك : أو لا يتفكر فيعتبر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوَلَا يَذۡكُرُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ يَكُ شَيۡـٔٗا} (67)

{ أولا يذكر الإنسان } عطف على { يقول } ، وتوسيط همزة الإنكار بينه وبين العاطف مع أن الأصل أن يتقدمهما للدلالة على أن المنكر بالذات هو المعطوف وأن المعطوف عليه إنما نشأ منه فإنه لو تذكر وتأمل : { أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا } بل كان عدما صرفا ، لم يقل ذلك فإن أعجب من جمع المواد بعد التفريق وإيجاد مثل ما كان فيها من الأعراض . وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وقالون عن يعقوب " يذكر " من الذكر الذي يراد به التفكر ، وقرئ " يتذكر " على الأصل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوَلَا يَذۡكُرُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ يَكُ شَيۡـٔٗا} (67)

وقوله { أو لا يذكر } احتجاج خاطب الله تعالى به نبيه عليه السلام رداً على مقالة الكافر . وقرأ نافع وعاصم وابن عامر «ويذكر » ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي «يذكّر » بشد الذال والكاف ، وقرأ أبي بن كعب «يتذكر » والنشأة الأولى والإخراج من العدم إلى الوجود أوضح دليل على جواز البعث من القبور ثم قرر وأوجبه السمع ، وقوله { ولم يك شيئاً } دليل على أن المعدوم لا يسمى { شيئاً } وقال أبو علي الفارسي أراد { شيئاً } موجوداً .

قال القاضي أبو محمد : وهذه نزعة اعتزالية فتأملها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَوَلَا يَذۡكُرُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ يَكُ شَيۡـٔٗا} (67)

جملة { أو لا يذكر الإنسان } معطوفة على جملة { يقول الإنسان } ، أي يقول ذلك ومن النكير عليه أنّه لا يتذكّر أنا خلقناه من قبل وجوده .

والاستفهام إنكار وتعجيب من ذهول الإنسان المنكر البعث عن خلقه الأول .

وقرأ الجمهور { أو لا يذْكُر } بسكون الذال وضمّ الكاف من الذُكر بضم الذال . وقرأه أبو جعفر بفتح الذال وتشديد الكاف على أن أصله يتَذكر فقلبت التاء الثانية ذالاً لقرب مخرجيهما .

والشيء : هو الموجود ، أي إنا خلقناه ولم يك موجوداً .

و ( قَبْلُ ) من الأسماء الملازمة للإضافة . ولما حذف المضاف إليه واعتبر مضافاً إليه مجملاً ولم يراع له لفظ مخصوص تقدّم ذكره بنيت ( قبلُ ) على الضمّ ، كقوله تعالى : { لله الأمر من قبل ومن بعد } [ الروم : 40 ] .

والتقدير : إنا خلقناه من قبل كلّ حالة هو عليها ، والتقدير في آية سورة الروم : لله الأمر من قبلِ كل حَدث ومِن بعده .

والمعنى : الإنكار على الكافرين أن يقولوا ذلك ولا يتذكروا حال النشأة الأولى فإنها أعجب عند الذين يَجرون في مداركهم على أحكام العادة ، فإن الإيجاد عن عدم من غير سبق مثال أعجبُ وأدعى إلى الاستبعاد من إعادة موجودات كانت لها أمثلة . ولكنها فسدت هياكلها وتغيرت تراكيبها . وهذا قياس على الشاهد وإن كان القادر سواءً عليه الأمران .