تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَدۡ كَفَرُواْ بِهِۦ مِن قَبۡلُۖ وَيَقۡذِفُونَ بِٱلۡغَيۡبِ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (53)

{ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ } أي : يرمون { بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } بقذفهم الباطل ، ليدحضوا به الحق ، ولكن لا سبيل إلى ذلك ، كما لا سبيل للرامي ، من مكان بعيد إلى إصابة الغرض ، فكذلك الباطل ، من المحال أن يغلب الحق أو يدفعه ، وإنما يكون له صولة ، وقت غفلة الحق عنه ، فإذا برز الحق ، وقاوم الباطل ، قمعه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَدۡ كَفَرُواْ بِهِۦ مِن قَبۡلُۖ وَيَقۡذِفُونَ بِٱلۡغَيۡبِ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (53)

وقوله : { وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ } أي : كيف يحصل لهم الإيمان في الآخرة ، وقد كفروا بالحق في الدنيا وكذبوا بالرسل ؟

{ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } : قال مالك ، عن زيد بن أسلم : { وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ } قال : بالظن .

قلت : كما قال تعالى : { رَجْمًا بِالْغَيْبِ } [ الكهف : 22 ] ، فتارة يقولون : شاعر . وتارة يقولون : كاهن . وتارة يقولون : ساحر . وتارة يقولون : مجنون . إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة ، ويكذبون بالغيب{[24419]} والنشور والمعاد ، ويقولون : { إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } [ الجاثية : 32 ] .

قال قتادة : يرجمون بالظن ، لا بعث ولا جنة ولا نار .


[24419]:- في ت ، س ، أ: "بالبعث".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَدۡ كَفَرُواْ بِهِۦ مِن قَبۡلُۖ وَيَقۡذِفُونَ بِٱلۡغَيۡبِ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (53)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مّكَانٍ بَعِيدٍ } .

يقول تعالى ذكره : وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ يقول : وقد كفروا بما يسألونه ربهم عند نزول العذاب بهم ، ومعاينتهم إياه من الإقالة له ، وذلك الإيمان بالله ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاءهم به من عند الله .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ : أي بالإيمان في الدنيا .

وقوله : وَيَقْذِفُونَ بالغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ يقول : وهم اليوم يقذفون بالغيب محمدا من مكان بعيد ، يعني أنهم يرجمونه ، وما أتاهم من كتاب الله بالظنون والأوهام ، فيقول بعضهم : هو ساحر ، وبعضهم شاعر ، وغير ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَيَقْذِفُونَ بالغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ قال : قولهم ساحر ، بل هو كاهن ، بل هو شاعر .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَيَقْذِفُونَ بالغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ أي يرجمون بالظنّ ، يقولون : لا بعث ، ولا جنة ، ولا نار .

حدثني يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَيَقْذِفُونَ بالغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ قال : بالقرآن .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَدۡ كَفَرُواْ بِهِۦ مِن قَبۡلُۖ وَيَقۡذِفُونَ بِٱلۡغَيۡبِ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (53)

{ وقد كفروا به } بمحمد عليه الصلاة والسلام أو بالعذاب . { من قبل } من قبل ذلك أوأن التكليف . { ويقذفون بالغيب } ويرجمون بالظن ويتكلمون بما لم يظهر لهم الرسول عليه الصلاة والسلام من المطاعن ، أو في العذاب من البث على نفيه . { من مكان بعيد } من جانب بعيد من أمره ، وهو الشبه التي تمحلوها في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو حال الآخرة كما حكاه من قبل . ولعله تمثيل لحالهم في ذلك بحال من يرمي شيئا لا يراه من مكان بعيد لا مجال للظن في لحوقه ، وقرئ " ويقذفون " على أن الشيطان يلقي إليهم ويلقنهم ذلك ، والعطف على { وقد كفروا } على حكاية الحال الماضية أو على قالوا فيكون تمثيلا لحالهم بحال القاذف في تحصيل ما ضيعوه من الإيمان في الدنيا .