تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمَۢا} (73)

فذكر اللّه تعالى أعمال هؤلاء الأقسام الثلاثة ، وما لهم من الثواب والعقاب فقال : { لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } .

فله الحمد تعالى ، حيث ختم هذه الآية بهذين الاسمين الكريمين ، الدالين على تمام مغفرة اللّه ، وسعة رحمته ، وعموم جوده ، مع أن المحكوم عليهم ، كثير منهم ، لم يستحق المغفرة والرحمة ، لنفاقه وشركه .

تم تفسير سورة الأحزاب .

بحمد اللّه وعونه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمَۢا} (73)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

عرضنا الأمانة على الإنسان لكي يعذب الله المنافقين {والمنافقات والمشركين والمشركات} بما خانوا الأمانة وكذبوا الرسل، ونقضوا الميثاق الذي أقروا به على أنفسهم، يوم أخرجهم من ظهر آدم عليه السلام حين قال عز وجل: {ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف:172]، فنقضوا هذه المعرفة وتركوا الطاعة يعني التوحيد.

{ويتوب الله}: ولكي يتوب الله {على المؤمنين والمؤمنات} بما وفوا بالأمانة ولم ينقضوا الميثاق.

{وكان الله غفورا} لذنوبهم "رحيما "بهم.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وحمل الإنسان الأمانة كيما يعذّب الله المنافقين فيها الذين يظهرون أنهم يؤدّون فرائض الله، مؤمنين بها، وهم مستسرّون الكفر بها، والمنافقات والمشركين بالله في عبادتهم إياه الآلهة والأوثان، والمُشْرِكاتِ "وَيَتُوبَ اللّهُ على المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ "يرجع بهم إلى طاعته، وأداء الأمانات التي ألزمهم إياها حتى يؤدّوها. "وكانَ اللّهُ غَفُورا" لذنوب المؤمنين والمؤمنات، بستره عليها، وتركه عقابهم عليها "رَحِيما" أن يعذّبهم عليها بعد توبتهم منها.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقوله {ليعذب الله} اللام لام العاقبة لأن الإنسان لم يحمل ليقع العذاب لكن حمل فصار الأمر وآل إلى أن يعذب من نافق ومن أشرك وأن يتوب على من آمن.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ذكر الله في الإنسان وصفين؛ الظلوم والجهول، وذكر من أوصافه وصفين، فقال: {وكان الله غفورا رحيما} أي كان غفورا للظلوم ورحيما على الجهول، وذلك لأن الله تعالى وعد عباده بأنه يغفر الظلم جميعا إلا الظلم العظيم الذي هو الشرك كما قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} وههنا لطيفة: وهي أن الله تعالى أعلم عبده بأنه غفور رحيم، وبصره بنفسه فرآه ظلوما جهولا ثم عرض عليه الأمانة فقبلها مع ظلمه وجهله لعلمه فيما يجبرها من الغفران والرحمة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ويتوب الله} أي بما له من العظمة {على المؤمنين} أي العريقين في وصف الإيمان وهم الثابتون عليه إلى الموت {والمؤمنات} العصاة وغيرهم فيوفقهم لبذلها بعد حملها.

{وكان الله} أي على ما له من الكبر والعظمة والانتقام والملك والسطوة {غفوراً} أي محاء لذنوب التائبين الفعلية {رحيماً} أي مكرماً لهم بأنواع الإكرام بعد الرجوع عن الإجرام.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ذلك كان.. (ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات، ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات. وكان الله غفورا رحيما)..

فاختصاص الإنسان بحمل الأمانة؛ وأخذه على عاتقه أن يعرف بنفسه، ويهتدي بنفسه، ويعمل بنفسه، ويصل بنفسه.. هذا كان ليحتمل عاقبة اختياره، وليكون جزاؤه من عمله. وليحق العذاب على المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات. وليمد الله يد العون للمؤمنين والمؤمنات، فيتوب عليهم مما يقعون فيه تحت ضغط ما ركب فيهم من نقص وضعف، وما يقف في طريقهم من حواجز وموانع، وما يشدهم من جواذب وأثقال.. فذلك فضل الله وعونه. وهو أقرب إلى المغفرة والرحمة بعباده: (وكان الله غفورا رحيما)..

وبهذا الإيقاع الهائل العميق تختم السورة التي بدأت بتوجيه الرسول [صلى الله عليه وسلم] إلى طاعة الله وعصيان الكافرين والمنافقين، واتباع وحي الله، والتوكل عليه وحده دون سواه. والتي تضمنت توجيهات وتشريعات يقوم عليها نظام المجتمع الإسلامي، خالصا لله، متوجها له، مطيعا لتوجيهاته.

بهذا الإيقاع الذي يصور جسامة التبعة وضخامة الأمانة. ويحدد موضع الجسامة ومنشأ الضخامة. ويحصرها كلها في نهوض الإنسان بمعرفة الله والاهتداء إلى ناموسه، والخضوع لمشيئته..

بهذا الإيقاع تختم السورة، فيتناسق بدؤها وختامها، مع موضوعها واتجاهها. ذلك التناسق المعجز، الدال بذاته على مصدر هذا الكتاب

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

لقد وردت كلمة (الله) مرّة واحدة في شأن المنافقين والمشركين، ومرّة في شأن المؤمنين، وذلك لأنّ مصير الفئتين الاُوّليين واحد، وحساب المؤمنين يختلف عنهما.

يمكن أن يكون التعبير بالتوبة بدل الجزاء والثواب في شأن المؤمنين، بسبب أنّ أكثر خوف المؤمنين من الذنوب والمعاصي التي تصدر عنهم أحياناً، ولذا فإنّ الآية تطمئنهم وتمنحهم السكينة بأنّ ذنوبهم ستغفر. إنّ وصف الله بالغفور والرحيم ربّما كان في مقابل الظلوم والجهول، أو لمناسبته ذكر التوبة بالنسبة للمؤمنين والمؤمنات.

الآن وقد بلغنا نهاية سورة الأحزاب بفضل الله سبحانه، نرى لزاماً ذكر هذه المسألة، وهي: أنّ انسجام بداية هذه السورة مع نهايتها يستحقّ الدقّة والانتباه، لأنّ هذه السورة سورة الأحزاب قد بدأت بخطاب النّبي (صلى الله عليه وآله) وأمره بتقوى الله، ونهيه عن طاعة الكافرين والمنافقين، والتأكيد على كون الله عليماً حكيماً، وانتهت بذكر أعظم مسألة في حياة البشر، أي حمل أمانة الله. ثمّ بتقسيم البشر إلى ثلاث فئات: المنافقين، والكافرين، والمؤمنين، والتأكيد على كون الله غفوراً رحيماً.

ختام السورة:

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في مطلعها بالتقوى أمر في مقطعها بذلك على وجه عام، وتوعد المشاققين والمنافقين الذين نهى في أولها عن طاعتهم، وختم بصفتي المغفرة والرحمة كما ختم في أولها بهما آية الخطأ والتعمد، فقد تلاقيا وتعانقا وتوافقا وتطابقا -والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وهو أعلم بالصواب.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمَۢا} (73)

قوله تعالى : " ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات " اللام في " ليعذب " متعلقة ب " حمل " أي حملها ليعذب العاصي ويثبت المطيع ، فهي لام التعليل ؛ لأن العذاب نتيجة حمل الأمانة . وقيل ب " عرضنا " ، أي عرضنا الأمانة على الجميع ثم قلدناها الإنسان ليظهر شرك المشرك ونفاق المنافقين ليعذبهم الله ، وإيمان المؤمن ليثيبه الله . " ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات " قراءة الحسن بالرفع ، يقطعه من الأول ، أي يتوب الله عليهم بكل حال . " وكان الله غفورا رحيما " خبر بعد خبر " لكان " . ويجوز أن يكون نعتا لغفور ، ويجوز أن يكون حالا من المضمر . والله أعلم بالصواب .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمَۢا} (73)

ولما كان الحكم في الظاهر على جميع الإنسان ، وفي الحقيقة - لكون القضية الخالية عن السور في قوة الجزئية{[56198]} - على بعضه ، لكنه لما أطلق إطلاق الكلي فهم أن المراد الأكثر ، قال مبيناً أن " ال " ليست سوراً معللاً لحمله لها مقدماً التعذيب إشارة إلى أن الخونة أكثر ، لافتاً العبارة إلى الاسم الأعظم لتنويع المقال إلى جلال وجمال{[56199]} : { ليعذب الله } أي الملك الأعظم بسبب الخيانة في الأمانة ، وقدم من الخونة{[56200]} أجدرهم بذلك فقال : { المنافقين والمنافقات } أي الذين يظهرون بذل الأمانة كذباً وزوراً وهم حاملون لها عريقون في النفاق { والمشركين والمشركات } أي الذين يصارحون بحملها ومنعها عن أهلها وهم عريقون في الشرك فلا يتوبون منه{[56201]} .

ولما كان تقديم{[56202]} التعذيب مفهماً أن الخونة أكثر ، أشار إلى أن المخلص نادر جداً بقوله : { ويتوب الله } أي بما له من العظمة { على المؤمنين } أي{[56203]} العريقين في وصف الإيمان وهم الثابتون عليه إلى الموت { والمؤمنات } العصاة وغيرهم فيوفقهم لبذلها بعد حملها فالآية من الاحتباك : ذكر العذاب أولاً دليلاً على النعيم ثانياً ، والتوبة ثانياً دليلاً على منعها أولاً{[56204]} أي عرض{[56205]} هذا العرض وحكم هذا الحكم{[56206]} ليعذب وينعم بحجة يتعارفها الناس فيما بينهم{[56207]} .

ولما كان هذا مؤذناً بأنه ما من أحد إلا وقد حملها وقتاً ما ، فكان مرغباً للقلوب مرهباً للنفوس ، قال مؤنساً لها مرغباً : { وكان الله } أي على ما له من الكبر والعظمة والانتقام والملك والسطوة { غفوراً } أي محاء لذنوب التائبين الفعلية{[56208]} والإمكانية عيناً وأثراً { رحيماً } أي مكرماً لهم بأنواع الإكرام بعد الرجوع عن الإجرام ، ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في مطلعها بالتقوى أمر في مقطعها بذلك على وجه عام ، وتوعد المشاققين والمنافقين الذين نهى في أولها عن طاعتهم ، وختم بصفتي المغفرة والرحمة كما ختم في أولها بهما آية الخطأ والتعمد ، فقد تلاقيا وتعانقا وتوافقا وتطابقا - والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ، وهو أعلم بالصواب .

ختام السورة:

ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في مطلعها بالتقوى أمر في مقطعها بذلك على وجه عام ، وتوعد المشاققين والمنافقين الذين نهى في أولها عن طاعتهم ، وختم بصفتي المغفرة والرحمة كما ختم في أولها بهما آية الخطأ والتعمد ، فقد تلاقيا وتعانقا وتوافقا وتطابقا - والله{[1]} يقول الحق وهو{[2]} يهدي السبيل ، {[3]}وهو أعلم بالصواب{[4]} .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[56198]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الحذبية.
[56199]:زيد من ظ ومد.
[56200]:زيد من ظ وم ومد.
[56201]:زيد من ظ ومد.
[56202]:من م ومد، وفي الأصل وظ: تقدم.
[56203]:سقط من ظ ومد.
[56204]:زيد من مد.
[56205]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: هو من.
[56206]:زيد من ظ وم ومد.
[56207]:زيد في ظ ومد: وينعمهم.
[56208]:زيد في الأصل: والتمكينية، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.