تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلَّيۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُۚ لَا تَسۡجُدُواْ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (37)

ثم ذكر تعالى أن { مِنْ آيَاتِهِ } الدالة على كمال قدرته ، ونفوذ مشيئته ، وسعة سلطانه ، ورحمته بعباده ، وأنه الله وحده لا شريك له { اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ } هذا بمنفعة ضيائه ، وتصرف العباد فيه ، وهذا بمنفعه ظلمه ، وسكون الخلق فيه . { وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ } اللذان لا تستقيم معايش العباد ، ولا أبدانهم ، ولا أبدان حيواناتهم ، إلا بهما ، وبهما من المصالح ما لا يحصى عدده .

{ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ } فإنهما مدبران مسخران مخلوقان . { وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الذي خلقهن } أي : اعبدوه وحده ، لأنه الخالق العظيم ، ودعوا عبادة ما سواه ، من المخلوقات ، وإن كبر ، جرمه وكثرت مصالحه ، فإن ذلك ليس منه ، وإنما هو من خالقه ، تبارك وتعالى . { إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } فخصوه بالعبادة وإخلاص الدين له .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلَّيۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُۚ لَا تَسۡجُدُواْ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (37)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ومن آياته} أن يعرف التوحيد بصنعه وإن لم تروه.

{الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن} يعني الذي خلق هؤلاء الآيات.

{إن كنتم إياه تعبدون}، فسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون يومئذ.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ومن حجج الله تعالى على خلقه ودلالته على وحدانيته، وعظيم سلطانه، اختلاف الليل والنهار، ومعاقبة كلّ واحد منهما صاحبه، والشمس والقمر، لا الشمس تدرك القمر "وَلا اللّيْلُ سابِقُ النّهارِ وكُلّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"، لا تسجدوا أيها الناس للشمس ولا للقمر، فإنهما وإن جريا في الفلك بمنافعكم، فإنما يجريان به لكم بإجراء الله إياهما لكم طائعين له في جريهما ومسيرهما، لا بأنهما يقدران بأنفسهما على سير وجري دون إجراء الله إياهما وتسييرهما، أو يستطيعان لكم نفعا أو ضرّا، وإنما الله مسخرهما لكم لمنافعكم ومصالحكم، فله فاسجدوا، وإياه فاعبدوا دونها، فإنه إن شاء طمس ضوءهما، فترككم حيارَى في ظلمة لا تهتدون سبيلاً، ولا تبصرون شيئا. وقيل: "وَاسْجُدُوا لِلّهِ الّذِي خَلَقَهُنّ"...

وقوله: "إنْ كُنْتُمْ إيّاهُ تَعْبُدُونَ "يقول: إن كنتم تعبدون الله، وتذلون له بالطاعة وإن من طاعته أن تخلصوا له العبادة، ولا تشركوا في طاعتكم إياه وعبادتكموه شيئا سواه، فإن العبادة لا تصلح لغيره ولا تنبغي لشيء سواه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنّ} يقول: إن كنتم إياه تقصدون بعبادة هذه الأشياء فاسجدوا له واعبدوا، لما أمركم بالسجود له والعبادة.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

عدد آياته لتعبر فيها من صدق عن التوحيد بذكر {الليل والنهار}، وذكرهما يتضمن ما فيهما من القصر والطول والتداخل والاستواء في مواضع وسائر عبرهما، وكذلك الشمس والقمر متضمن عجائبهما وحكمة الله فيهما ونفعه عباده بهما.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أنه تعالى لما بين في الآية المتقدمة أن أحسن الأعمال والأقوال هو الدعوة إلى الله تعالى أردفه بذكر الدلائل الدالة على وجود الله وقدرته وحكمته، تنبيها على أن الدعوة إلى الله تعالى عبارة عن تقرير الدلائل الدالة على ذات الله وصفاته، فهذه تنبيهات شريفة مستفادة من تناسق هذه الآيات، فكان العلم بهذه اللطائف أحسن علوم القرآن، وقد عرفت أن الدلائل الدالة على هذه المطالب العالية هي العالم بجميع ما فيه من الأجزاء والأبعاض، فبدأ هاهنا بذكر الفلكيات وهي الليل والنهار، وإنما قدم ذكر الليل على ذكر النهار تنبيها على أن الظلمة عدم، والنور وجود، والعدم سابق على الوجود، فهذا كالتنبيه على حدوث هذه الأشياء.

ولما بين أن الشمس والقمر محدثان، وهما دليلان على وجود الإله القادر قال: {لا تسجدوا للشمس ولا للقمر} يعني أنهما عبدان دليلان على وجود الإله، والسجدة عبارة عن نهاية التعظيم فهي لا تليق إلا بمن كان أشرف الموجودات...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هذه الآيات معروضة للأنظار، يراها العالم والجاهل. ولها في القلب البشري روعة مباشرة. ولو لم يعلم الإنسان شيئاً عن حقيقتها العلمية. فبينها وبين الكائن البشري صلة أعمق من المعرفة العلمية بينها وبينه هذا الاتصال في النشأة، وفي الفطرة، وفي التكوين. فهو منها وهي منه. تكوينه تكوينها، ومادته مادتها، وفطرته فطرتها، وناموسه ناموسها، وإلهه إلهها.. فهو من ثم يستقبلها بحسه العميق في هزة وإدراك مباشر لمنطقها العريق!

لهذا يكتفي القرآن غالبا بتوجيه القلب إليها، وإيقاظه من غفلته عنها، هذه الغفلة التي ترد عليه من طول الألفة تارة، ومن تراكم الحواجز والموانع عليه تارة. فيجلوها القرآن عنه، لينتفض جديداً حياً يقظاً يعاطف هذا الكون الصديق، ويتجاوب معه بالمعرفة القديمة العميقة الجذور.

وصورة من صور الانحراف تلك التي تشير إليها الآية هنا. فقد كان قوم يبالغون في الشعور بالشمس والقمر شعوراً منحرفاً ضالاً فيعبدونهما باسم التقرب إلى الله بعبادة أبهى خلائقه! فجاء القرآن ليردهم عن هذا الانحراف؛ ويزيل الغبش عن عقيدتهم المدخولة. ويقول لهم: إن كنتم تعبدون الله حقاً فلا تسجدوا للشمس والقمر.. (واسجدوا لله الذي خلقهن) فالخالق هو وحده الذي يتوجه إليه المخلوقون أجمعين. والشمس والقمر مثلكم يتوجهون إلى خالقهما فتوجهوا معهم إلى الخالق الواحد الذي يستحق أن تعبدوه. ويعيد الضمير عليهما مؤنثاً مجموعاً: (خلقهن) باعتبار جنسهما وأخواتهما من الكواكب والنجوم؛ ويتحدث عنهن بضمير المؤنث العاقل ليخلع عليهن الحياة والعقل، ويصورهن شخوصاً ذات أعيان!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عطف على جملة {قُل أينَّكُم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} عطف القصة على القصة فإن المقصود من ذكر خلق العوالم أنها دلائل على انفراد الله بالإِلهية، فلذلك أخبر هنا عن المذكورات في هذه الجملة بأنها من آيات الله، انتقالاً في أفانين الاستدلال؛ فإنه انتقال من الاستدلال بذواتٍ من مخلوقاته إلى الاستدلال بأحوال من أحوال تلك المخلوقات، فابتدىء ببعض الأحوال السماوية وهي حال الليل والنهار، وحال طلوع الشمس وطلوع القمر، ثم ذكر بعده بعض الأحوال الأرضية بقوله: {ومن ءاياته أنك ترى الأرض خاشعة} [فصلت: 39].

ويدل لهذا الانتقال أنه انتقل من أسلوب الغيبة من قوله: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة} إلى قوله: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} إلى أسلوب خطابهم رجوعاً إلى خطابهم الذي في قوله: {أينكم لتكفرون بالذي خلق الأرض} [فصلت: 9].

والآيات: الدلائل، وإضافتها إلى ضمير الله لأنها دليل على وحدانيته وعلى وجوده.

واختلافُ الليل والنهار آية من آيات القدرة التي لا يفعلها غير الله تعالى، فلا جرم كانت دليلاً على انفراده بالصنع فهو منفرد بالإِلهية.

والمراد بالشمس والقمر ابتداءً هنا حركتُهما المنتظمة المستمرة، وأمّا خلقهما فقد علم من خلق السماوات والأرض كما تقدم آنفاً في قوله: {فقضاهن سبع سموات}، فإن الشمس إحدى السماوات السبع والقمر تابع للشمس، ولم يُذكر ما يدل على بعض أحوال الشمس والقمر مثل طلُوع أو غروبٍ أو فَلَك أو نحو ذلك ليَكون صالحاً للاستدلال بأحوالهما وهو المقصود الأول، ولخلقهما تأكيد لما استفيد من قوله: {فقضاهن سَبْعَ سموات} توفيراً للمعاني.

ولما جرى الاعتبار بالشمس والقمر، وكان في الناس أقوام عبدوا الشمس والقمر وهم الصابئة ومنبعهم من العراق من زمن إبراهيم عليه السلام، وقد قصَّ الله خبرَهم في سورة الأنعام (76) في قوله: {فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي} الآيات، ثم ظهر هذا الدين في سبأ، عبدوا الشمس كما قصه الله في سورة النمل. ولم أقف على أن العرب في زمن نزول القرآن كان منهم من يعبد الشمس والقمر، ويَظهر من كلام الزمخشري أنه لم يقف على ذلك لقوله هنا: (لعل ناساً منهم كانوا يسجدون للشمس والقمر) اهـ. ولكن وجود عبادة الشمس في اليمن أيام سبأ قبل أن يتهَوَّدُوا يقتضي بقاء آثاره من عبادة الشمس في بعض بلاد العرب. وقد ذكر من أصنام العرب صنم اسمه (شَمس) وبه سموا (عبدَ شمس)، وكذلك جعلهم من أسماء الشمس، وكان الصنم الذي اسمه شمس يَعبده بنو تميم وضبة وَتَيْم وعُكْل وأُدّ.

وكنت وقفت على أن بعض كنانة عبدوا القمر.

وفي « تلخيص التفسير» للكواشي: (وكان الناس يسجدون للشمس والقمر يزعمون أنهم يقصدون بذلك السجود للَّه كالصابئين فنهوا عن ذلك وأمروا أن يخصوه تعالى بالعبادة) وليس فيه أن هؤلاء الناس من العرب، على أن هدي القرآن لا يختص بالعرب بل شيوع دين الصابئة في البلاد المجاورة لهم كاف في التحذير من السجود للشمس والقمر. وقد كان العرب يحسبون دين الإسلام دين الصابئة فكانوا يقولون لمن أسلم: صَبَأَ، وكانوا يصفون النبي صلى الله عليه وسلم بالصابئ، فإذا لم يكن النهي في قوله: {لاَ تَسْجُدُوا للشَّمْسِ ولاَ للقَمَرِ} نهيَ إقلاع بالنسبة للذين يسجدون للشمس والقمر، فهو نهي تحذير لمن لم يسجد لهما أن لا يتبعوا من يعبدونهما.

ووقوع قوله: {واسْجُدُوا لله الذِي خَلَقَهُنَّ} بعد النهي عن السجود للشمس والقمر يفيد مفاد الحصر لأن النهي بمنزلة النفي، ووقوع الإِثبات بعده بمنزلة مقابلة النفي بالإِيجاب، فإنه بمنزلة النفي والاستثناء في إفادة الحصر، فكأنه قيل: لا تسجدوا إلا لله، أي دون الشمس والقمر.

فجملة {لا تَسْجدوا للشَّمس} إلى قوله: {تَعْبُدُونَ} معترضة بين جملة {وَمِن ءاياته الليَّلُ والنَّهَارُ}، وبين جملة {فَإنْ استَكْبَرُوا} [فصلت: 38].

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلَّيۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُۚ لَا تَسۡجُدُواْ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (37)

{ ومن آياته } علاماته التي تدل على أنه واحد { الليل والنهار والشمس والقمر } الآية

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلَّيۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُۚ لَا تَسۡجُدُواْ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (37)

قوله تعالى : " ومن آياته " علاماته الدالة على وحدانيته وقدرته " الليل والنهار والشمس والقمر " وقد مضى في غير موضع{[13442]} . " لا تسجدوا للشمس ولا للقمر " نهى عن السجود لهما ؛ لأنهما وإن كانا خلقين فليس ذلك لفضيلة لهما في أنفسهما فيستحقان بها العبادة مع الله ؛ لأن خالقهما هو الله ولو شاء لأعدمهما أو طمس نورهما . " واسجدوا لله الذي خلقهن " وصورهن وسخرهن ، فالكناية ترجع إلى الشمس والقمر والليل والنهار . وقيل : للشمس والقمر خاصة ؛ لأن الاثنين جمع . وقيل : الضمير عائد على معنى الآيات " إن كنتم إياه تعبدون " وإنما أنث على جمع التكثير ولم يجر على طريق التغليب للمذكر والمؤنث لأنه فيما لا يعقل .


[13442]:راجع ج 2 192 وما بعدها طبعة ثانية.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلَّيۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُۚ لَا تَسۡجُدُواْ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (37)

ولما ذكر أنهم جعلوا له أنداداً مع أنه خلق الأرض في يومين ، وختم ذلك بأن أحسن الحسن الدعاء إلى الله ، وختم الأمر بالدعاء بصفة العلم ، أتبعه دلائل التوحيد إعلاماً بأن التوحيد أحسن الحسن يطرد كل شيء ، وتنبيهاً على أن الدعوة إلى الله تعالى عبارة عن تنوير الدلائل الدالة على الذات والصفات ، وذلك ببيان الأفعال وآثارها وهو العالم بجميع ما فيه من الأجزاء والأبعاض جوهراً وعرضاً ، وبدأ بذكر الفلكيات لأنها أدل ، فقال عاطفاً على ما تقديره : فمن آياته الناشئة عن شمول علمه المستلزم لشمول قدرته المنتجة لإعادته لمن يريد ونفوذ تصرفه في كل ما يشاء المستلزم لتفرده بالإلهية أنه خلق الخافقين كما مضى في ستة أيام : { ومن آياته } الدالة على وحدانيته :

وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد

ولما كانت الظلمة عدماً والنور وجوداً والعدم مقدم قال : { الليل والنهار } أي الدالاّن باختلافهما وهيئتهما على قدرته على البعث وعلى كل مقدور { والشمس والقمر } اللذان هما الليل والنهار كالروح لذوي الأجساد ، وهذه الموجودات - مع ما مضى من خلق الخافقين - كتاب الملك الديان ، إلى الإنس والجان ، المشهود لهم بالعيان كما قيل يا إنسان :تأمل سطور الكائنات فإنها *** من الملك الأعلى إليك رسائل

وقد خط فيها لو تأملت خطة *** إلا كل شيء ما خلا الله باطل

ولما ثبت له سبحانه التفرد بالخلق والأمر ، وكان باطناً إلا عند من نور الله أو كانت الشمس والقمر من آياته المعرفة المشيرة في وجود الدنيا والآخرة إليه ، وكانا مشاهدين ، وكان الإنسان قاصر العقل مقيد الوهم بالمشاهدات لما عنده من الشواغل إلا من عصم الله ، أنتج قوله محذراً من عبادتهما لما يرى لهما من البهاء وفيهما من المنافع : { لا تسجدوا للشمس } التي هي أعظم أوثانكم فإنها من جملة مبدعاته ، وأعاد النافي تأكيداً للنفي وإفادة لأن النهي عن كل منهما على حدته ولذلك أظهر موضع الإضمار فقال : { ولا للقمر } كذلك .

ولما نهى عن السجود لهما ، أمر بالسجود بما يبين استحقاقه لذلك وعدم استحقاقهما أو استحقاق شيء غيرهما له فقال : { واسجدوا } ونبه على مزيد عظمته بالإظهار موضع الإضمار فقال : { لله } أي الذي له كل كمال من غير شائبة نقص من أفول أو تجدد حلول { الذي خلقهن } أي الأربعة لأجلكم فهو الذي يستحق الإلهية ، وأنث لأن ما لا يعقل حكمه حكم المؤنث في الضمير وهي أيضاً آيات ، وفيه إشارة إلى تناهي سفولها عما أهلوها له وذم عابديها بالإفراط في الغباوة ، ويمكن أن يكون عد القمر أقماراً لأنه يكون تارة هلالاً وأخرى بدراً وأخرى محواً ، فلذلك جمع إشارة إلى قهرهما بالتغيير له في الجرم ولمهما بالتسيير ، ولذلك عبر بضمير المؤنث الذي يكون لجمع الكثرة مما لا يعقل .

ولما ظهر أن الكل عبيده ، وكان السيد لا يرضى بإشراك عبده عبداً آخر في عبادة سيده قال : { إن كنتم إياه } أي خاصة بغاية الرسوخ { تعبدون * } كما هو صريح قولكم في الدعاء في وقت الشدائد لا سيما في البحر ، ومحصل قولكم { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } فإن أشركتم به شيئاً بسجود أو غيره فما خصصتموه بالعبادة لأن السجود من العبادة وفعله ولو في وقت واحد لغيره إشراك في الجملة ، ومن أشرك به لم يعبده وحده ، ومن لم يعبده وحده لم يعبده أصلاً ، لأنه أغنى الأغنياء ، لا يقبل إلا الخالص وهو أقرب إلى عباده من كل شيء فيوشك أن ينتقم بإشراككم ، وفي الآية إشارة إلى الحث على صيانة الآدميين عن أن يقع منهم سجود لغيره رفعاً لمقامهم عن أن يكونوا ساجدين لمخلوق بعد أن كانوا مسجوداً لهم ، فإنه سبحانه أمر الملائكة الذين هم أشرف خلقه بعدهم بالسجود آدم وهم في ظهره فتكبر اللعين إبليس ، فابد لعنه ، فشتان ما بين المقامين .