اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلَّيۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُۚ لَا تَسۡجُدُواْ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (37)

قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ الليل والنهار . . . } الآية لما بين تعالى في الآية المتقدمة أن أحسن الأعمال والأقوال هو الدعوة إلى الله تعالى وهي عبارة عن تنوير الدلائل الدالة على ذات الله وصفاته ، ومن جملتها العالم بجميع أجزائه فبدأ هاهنا بذكر الفلكِّيات وهي اللَّيل والنَّهار ، والشمس والقمر ، وقدم ذكر الليل على ذكر النهار تنبيهاً على أن الظلمة عدمٌ ، والنور وجود ، والعدم سابق على الوجود ، وهذا كالتنبيه على وجود الصانع وتقدم شرحه مراراً . ولما بين أن الشمس والقمر يحدثان وهما دليلان على وجود الإله القادر قال { لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ } يعني أنهما عبدا دليلان على وجود الإله ( القادر ){[48858]} والسجود عبارة عن نهاية التعظيم وهو لا يليق إلا بمن كان أشرف الموجودات فقال : { لا تسجدوا للشمس ولا للقمر } لأنهما عبدان مخلوقان ، واسجدوا لله الخالق القادر الحكيم{[48859]} .

قوله : { خلقهن } في هذا الضمير ثلاثة أوجه :

أحدهما : أنه يعود على «الليل والنهار والشمس والقمر »{[48860]} . وفي مجيء الضمير كضمير الإناث ( كما قال الزمخشري هو أنَّ جمع ما لا يعقل حكمه حكم الأنثى أو الإناث ) نحو : الأَقْلاَمُ بريتُهَا وبرَيْتُهُنَّ .

وناقشه أبو حيان : من حيث إنه لم يفرق بين جمع القلة والكثرة في ذلك ؛ لأن الأفصح في جمع القلة أن يعامل معاملة الإناث ، وفي جمع الكثرة أن يعامل معالمة الأنثى ، فالأفصح أن يقال : الأجذاع كَسَرتهُنَّ ، والجذوع كسرتُهَا ، والذي تقدم في هذه الآية ليس بجمع قلة أعني بلفظ واحد ولكنه ذكر أربعة متعاطفة فتنزَّلَت منزلة الجمع المعبر به عنها بلفظ واحد{[48861]} . قال شهاب الدين : والزمخشري ليس في مقام بيان الفصيح والأفصح بل في مقام كيفية مجيء الضمير ضمير إناث بعد تقدم ثلاثة أشياء مذكرات وواحد مؤنث والقاعدة تغليب المذكر على المؤنث{[48862]} أو لَمَّا قال : «وَمِن آياتِهِ » كُنَّ في معنى الآيات فقيل : خَلَقَهُنَّ . ذكر الزمخشري{[48863]} أيضاً أنه يعود على لفظ الآيات وهذا هو الوجه الثاني .

الثالث : أنه يعود على الشمس والقمر ؛ لأن الاثنين جمع ، والجمع مؤنث لقولهم : «شُمُوسٌ وأَقْمَارٌ »{[48864]} .

وقال البغوي : إنما قال خلقُهُنَّ بالتأنيث لأنه أجراها على طريق جمع التكسير ، ولم يُجْر على طريق التغليب للمذكر على المؤنث{[48865]} .

قوله : { إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } قيل : كان ناسٌ يسجدون للشمس والقمر كالصَّابئين في عبادتهم الكواكب ويزعمون أنه يقصدون بالسجود لهما السجود لله ، فَنُهُوا عن هذه الواسطة وأمروا أن لا يسجدوا إلا لله الذي خلق هذه الأشياء{[48866]} .


[48858]:سقط من ب الأصل.
[48859]:انظر الرازي بتغيير طفيف في العبارة 27/128، 129.
[48860]:نقله الزمخشري في الكشاف 3/454.
[48861]:نقله في البحر المحيط 7/498، ونقله عن السمين في الدر المصون 4/735، وانظر معاني الفراء 3/8.
[48862]:الدر المصون 4/735.
[48863]:الكشاف للزمخشري 3/454، وقد قال بذلك أيضا أبو البركات ابن الأنباري في البيان 2/340 قال والهاء والنون في "خلقهن" تعود على الآيات، ولا تعود على الشمس ولقمر والليل والنهار؛ لأن المذكر والمؤنث إذا اجتمعا غلب جانب المذكر على جانب المؤنث.
[48864]:قال بذلك أبو حيان في البحر 7/499.
[48865]:معالم التنزيل له 6/112.
[48866]:ذكره الزمخشري في الكشاف 3/454 والرازي في التفسير الكبير 27/129.