قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ الليل والنهار . . . } الآية لما بين تعالى في الآية المتقدمة أن أحسن الأعمال والأقوال هو الدعوة إلى الله تعالى وهي عبارة عن تنوير الدلائل الدالة على ذات الله وصفاته ، ومن جملتها العالم بجميع أجزائه فبدأ هاهنا بذكر الفلكِّيات وهي اللَّيل والنَّهار ، والشمس والقمر ، وقدم ذكر الليل على ذكر النهار تنبيهاً على أن الظلمة عدمٌ ، والنور وجود ، والعدم سابق على الوجود ، وهذا كالتنبيه على وجود الصانع وتقدم شرحه مراراً . ولما بين أن الشمس والقمر يحدثان وهما دليلان على وجود الإله القادر قال { لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ } يعني أنهما عبدا دليلان على وجود الإله ( القادر ){[48858]} والسجود عبارة عن نهاية التعظيم وهو لا يليق إلا بمن كان أشرف الموجودات فقال : { لا تسجدوا للشمس ولا للقمر } لأنهما عبدان مخلوقان ، واسجدوا لله الخالق القادر الحكيم{[48859]} .
قوله : { خلقهن } في هذا الضمير ثلاثة أوجه :
أحدهما : أنه يعود على «الليل والنهار والشمس والقمر »{[48860]} . وفي مجيء الضمير كضمير الإناث ( كما قال الزمخشري هو أنَّ جمع ما لا يعقل حكمه حكم الأنثى أو الإناث ) نحو : الأَقْلاَمُ بريتُهَا وبرَيْتُهُنَّ .
وناقشه أبو حيان : من حيث إنه لم يفرق بين جمع القلة والكثرة في ذلك ؛ لأن الأفصح في جمع القلة أن يعامل معاملة الإناث ، وفي جمع الكثرة أن يعامل معالمة الأنثى ، فالأفصح أن يقال : الأجذاع كَسَرتهُنَّ ، والجذوع كسرتُهَا ، والذي تقدم في هذه الآية ليس بجمع قلة أعني بلفظ واحد ولكنه ذكر أربعة متعاطفة فتنزَّلَت منزلة الجمع المعبر به عنها بلفظ واحد{[48861]} . قال شهاب الدين : والزمخشري ليس في مقام بيان الفصيح والأفصح بل في مقام كيفية مجيء الضمير ضمير إناث بعد تقدم ثلاثة أشياء مذكرات وواحد مؤنث والقاعدة تغليب المذكر على المؤنث{[48862]} أو لَمَّا قال : «وَمِن آياتِهِ » كُنَّ في معنى الآيات فقيل : خَلَقَهُنَّ . ذكر الزمخشري{[48863]} أيضاً أنه يعود على لفظ الآيات وهذا هو الوجه الثاني .
الثالث : أنه يعود على الشمس والقمر ؛ لأن الاثنين جمع ، والجمع مؤنث لقولهم : «شُمُوسٌ وأَقْمَارٌ »{[48864]} .
وقال البغوي : إنما قال خلقُهُنَّ بالتأنيث لأنه أجراها على طريق جمع التكسير ، ولم يُجْر على طريق التغليب للمذكر على المؤنث{[48865]} .
قوله : { إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } قيل : كان ناسٌ يسجدون للشمس والقمر كالصَّابئين في عبادتهم الكواكب ويزعمون أنه يقصدون بالسجود لهما السجود لله ، فَنُهُوا عن هذه الواسطة وأمروا أن لا يسجدوا إلا لله الذي خلق هذه الأشياء{[48866]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.