تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلَّيۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُۚ لَا تَسۡجُدُواْ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (37)

من دلائل القدرة الإلهية .

{ ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون 37 فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسئمون 38 ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحي الموتى إنه على كل شيء قدير39 }

المفردات :

ومن آياته : ومن البراهين الدالة على وحدانيته وقدرته .

الذي خلقهن : خلق الآيات الأربع وما سواها .

37

التفسير :

37-{ ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون } .

ومن دلائل قدرة الله تعالى هذه المخلوقات ، فالليل ظلام وراحة وهدوء ونوم ، والنهار حركة ونشاط وعمل وسعي ، والشمس في حركتها وسعيها من الشروق إلى الغروب ، ولها منازل متعددة يترتب عليها الفصول الأربعة : الشتاء ، والربيع ، والصيف ، والخريف . والقمر وأنواره الخافتة وتدرجه من الصغر إلى الكبر ، ثم يعود صغيرا في آخر الشهر ، ليعرف الناس عدد الشهور والحساب ، وقد عبد الناس الشمس والقمر تقربا لله الخالق ، فبيّن القرآن أن العبادة لا تكون إلا لله وحده ، لأنه هو الخالق القاهر الباسط الرافع ، ولا يجوز أن يسجد الإنسان للمخلوق ويترك الخالق المستحق وحده للعبادة .

وفي سورة ( النمل ) نجد جانبا من قصة سليمان ، وعرضا لقصة الهدهد الذي أحاط بمملكة سبأ ، ورأى بلقيس ملكة سبأ تسجد هي وقومها للشمس من دون الله ، واعترض الهدهد على ذلك وتمنّى أن يسجد هؤلاء جميعا لله الذي خلق الشمس ، وهو سبحانه الذي ينبت النبات ، ويعلم كل شيء في هذا الكون .

قال تعالى على لسان الهدهد : { إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون * ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون * الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم } ( النمل : 23-26 ) .

كما تحدث القرآن عن حركة الشمس والقمر في سورة ( يس ) ، وأنّهما يتحركان بتقدير الله ، ولكل منهما مجال لا يتعداه .

قال تعالى : { والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم * والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم * لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون } ( يس : 38-40 ) .

من أجل بيان ذلك رأينا القرآن هنا يقول : { لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون } .

وفيه رد على الصابئة الذين عبدوا الكواكب ، ورد على عبدة الشمس الذين زعموا أنهم يقصدون بالسجود للشمس أو القمر السجود لله فنُهوا عن ذلك ؛ أي : لا تسجدوا لهذه الأسباب الظاهرة مثل الشمس والقمر ، واسجدوا لله الخالق الذي خلق الشمس والقمر والليل والنهار ، وبيده وحده الخلق والأمر ، إن كنتم تريدون العبادة الحق فاتجهوا بها إلى الله وحده لا شريك له .

وهذه الآية موضع سجدة ، لكن بعض الفقهاء أوجب السجدة عند نهاية الآية في كلمة : { تعبدون } . وبعضهم أوجب السجدة عند نهاية الآية التي تليها في قوله : { وهم لا يسئمون } . لأن الكلام يتم عندها ، واختلف النقل عند الصحابة على هذا النحو ، وقال ابن العربي : والأمر قريب .