إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلَّيۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُۚ لَا تَسۡجُدُواْ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (37)

{ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ } النزغُ والنسغُ بَمعْنى وهو شبه النخْسِ ، شُبِّه بهِ وسوسةُ الشيطانِ لأنَّها بعثٌ على الشرِّ ، وجُعلَ نازعاً على طريقةِ جدِّ جِدُّه ، أو أريدَ : وإمَّا ينزغنَّكَ نازغٌ وصفاً للشيطانِ بالمصدرِ أيْ وإن صرفكَ الشيطانُ عمَّا وُصَّيتَ به من الدفعِ بالتي هي أحسنُ { فاستعذ بالله } من شرِّه ولا تُطِعْهُ { إِنَّهُ هُوَ السميع } باستعاذتِك { العليم } بنيتكَ أو بصلاحِكَ . وفي جَعْلِ تركِ الدفعِ بالأحسنِ منْ آثار نزغاتِ الشيطانِ مزيدُ تحذيرٍ وتنفيرٍ عنه . { وَمِنْ آياته } الدالةِ على شؤونِه العظيمةِ { الليل والنهار والشمس والقمر } كلٌّ منَها مخلوقٌ منْ مخلوقاتِه مسخرٌ لأمرِه { لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ } لأنهما من جملةِ مخلوقاتِه المسخرةِ لأوامرِه مثلَكُم { واسجدوا لِلَّهِ الذي خَلَقَهُنَّ } الضميرُ للأربعةِ لأنَّ حُكَم جماعة ما لا يعقلُ حكمُ الأنثى أو الإناثِ ، أو لأنها عبارةٌ عن الآياتِ . وتعليقُ الفعلِ بالكل مع كفايةِ بيانِ مخلوقيةِ الشمسِ والقمرِ للإيذان بكمال سقوطِهما عن رتبة المسجوديةِ بنظمهما في المخلوقية في سلك الأعراضِ التي لا قيامَ لها بذاتها ، وهو السرُّ في نظم الكلِّ في سلك آياتِه تعالى { إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } فإن السجودَ أقصى مراتبِ العبادةِ فلابُدَّ من تخصيصه به سبحانَهُ . وهو موضعُ السجودِ عند الشافعيِّ رحمَهُ الله وعندَنا آخرُ الآيةِ الأُخْرى لأنَّه تمامُ المعْنى