فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلَّيۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُۚ لَا تَسۡجُدُواْ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (37)

ثم شرع سبحانه في بيان بعض آياته البديعة ، الدالة على كمال قدرته وقوة تصرفه للاستدلال بها على توحيده فقال :{ وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ } في تعاقبهما على حد معلوم ، وتناوبهما على قدر مقسوم { وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ } في اختصاصهما بسير مقدر ونور مقرر ، هذا رد على قوم عبدوا الشمس والقمر ، وإنما تعرض للأربعة مع أنهم لم يعبدوا الليل والنهار للإيذان بكمال سقوط الشمس والقمر عن رتبة السجودية لهما ، بنظمهما في المخلوقية في سلك الأعراض التي لا قيام لها بذاتها ، وهذا هو السر في نظم الكل في سلك آياته ، ثم لما بين أن ذلك من آياته نهاهم عن عبادة الشمس والقمر ، وأمرهم أن يسجدوا لله عز وجل فقال : { لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ } لأنهما مخلوقان من مخلوقاته وإن كثرت منافعهما فلا يصح أن يكونا شريكين له في ربوبيته .

{ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ } أي هذه الأربعة المذكورة ، لأن جمع ما لا يعقل حكمه حكم جمع الإناث ، أو الآيات ، أو الشمس والقمر ، لأن الاثنين جمع جماعة من الأئمة . قال السمين : وإنما عبر عن الأربع بضمير الإناث مع أن فيها ثلاثة مذكرة والعادة تغليب المذكر على المؤنث ، لأنه لما قال : ومن آياته فنظم الأربعة في سلك الآيات صار كل واحد منها آية فعبر عنها بضمير الإناث في قوله : خلقهن .

{ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } قيل : كان ناس يسجدون للشمس والقمر كالصابئين في عبادتهم الكواكب ، ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لهما السجود لله ، فنهوا عن ذلك ، فهذا وجه تخصيص ذكر السجود بالنهي عنه ، وقيل : وجه تخصيصه أنه أقصى مراتب العبادة .

وهذه الآية من آيات السجود بلا خلاف ، وإنما اختلفوا في موضع السجدة فقيل : موضعها عند قوله : { إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } ، لأنه متصل بالأمر ، وقيل عند قوله { وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ } لأنه تمام الكلام ، وعن ابن عباس أنه كان يسجد بآخر الآيتين من حم السجدة ، وكان معه ابن مسعود يسجد بالأولى منهما ، وعن ابن عمر أنه كانت يسجد للأولى ويسجد بالآية الأخيرة .