تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ} (23)

{ لَا جَرَمَ } أي : حقا لا بد { أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } من الأعمال القبيحة { إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } بل يبغضهم أشد البغض ، وسيجازيهم من جنس عملهم { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين }

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ} (23)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

لا جرم حقّا أن الله يعلم ما يسرّ هؤلاء المشركون من إنكارهم ما ذكرنا من الأنباء في هذه السورة، واعتقادهم نكير قولنا لهم: إلهكم إله واحد، واستكبارهم على الله، وما يعلنون من كفرهم بالله وفريتهم عليه.

"إنّهُ لا يُحِبّ المُسْتَكْبِرينَ" يقول: إن الله لا يحبّ المستكبرين عليه أن يوحدوه ويخلعوا ما دونه من الآلهة والأنداد.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون} يحتمل قوله: {ما يسرون} من المكر برسول الله والكيد له {وما يعلنون} من المظاهرة عليه، أو {يعلم ما يسرون} من أعمالهم الخبيثة التي أسروها {وما يعلنون} وما أعلنوها. يخبر أنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم أسروا، أو أعلنوا.

{لا جرم} قال الأصم: {لا جرم} كلمة تستعملها العرب في إيجاب تحقيق أو نفي تحقيق كقولهم: حقا، ولعمري، و أيم الله، ونحوه. وقال الحسن: هي كلمة وعيد. وقال بعضهم: {لا جرم} حقا، و: بلى، ولابد، وكله في الحاصل يرجع إلى واحد، وهو وعيد لأن قوله: {يعلم ما يسرون وما يعلنون} وعيد، والله أعلم. وقوله تعالى: {إنه لا يحب المستكبرين} لأنه لا يحب الاستكبار، ولا يليق لأحد من الخلائق أن يتكبر على غيره من الخلق؛ لأن الخلق كلهم أشكال وأمثال، ولا يجوز لكل ذي مثل أو شكل أن يتكبر على شكله، ولأن تكبر بعض على بعض كذب وزور؛ إذ جعل (الخلق) كلهم أمثالا وأشكالا. لذلك كانوا زورا وكذبا، وقد حرم الله تعالى الكذب، والزور؛ وجعله قبيحا في العقول.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

فيفضحهم ويبيِّنُ نفاقَهم، ويُعْلِنُ للمؤمنين كفرهم وشِقاقهم.

قوله جلّ ذكره: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْتَكْبِرِينَ}. دليل الخطاب أنه يحب المتواضعين المتخاشعين، ويكفيهم فضلاً بشارة الحق لهم بمحبته لهم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

يجوز أن يريد المستكبرين عن التوحيد يعني المشركين. ويجوز أن يعمّ كل مستكبر، ويدخل هؤلاء تحت عمومه.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

والمعنى أنه تعالى يعلم أن إصرارهم على هذه المذاهب الفاسدة ليس لأجل شبهة تصوروها أو إشكال تخيلوه، بل ذلك لأجل التقليد والنفرة عن الرجوع إلى الحق والشغف بنصرة مذاهب الأسلاف والتكبر والنخوة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ما يسرون} أي يخفون مطلقاً أو بالنسبة إلى بعض الناس. ولما كان علم السر لا يستلزم علم الجهر -كما مضى غير مرة، قال: {وما يعلنون} فهوما أخبر بذلك إلا عن أمر قطعي لا يقبل المراء. ولما كان في ذلك معنى التهديد، لأن المراد: فليجازينهم على دق ذلك وجله من غير أن يغفر منه شيئاً- كما يأتي التصريح به في قوله: {ليحملوا أوزارهم كاملة} [النحل: 25] علل هذا المعنى بقوله: {إنه} أي العالم بالسر والعلن {لا يحب المستكبرين}

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين} تعليلٌ لما تضمنه الكلامُ من الوعيد، أي لا يحب المستكبرين عن التوحيد أو عن الآيات الدالةِ عليها أو لا يحب جنسَ المستكبرين، فكيف بمن استكبر عما ذكر.

تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :

{إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتكْبِرِينَ} أي لا يرضى أَفعالهم ولا أقوالهم ولا اعتقادهم ولا استكبارهم، أَو لا يأمر بحالهم، أَولا يثيبهم عليها كما يثيب المؤمنين على إيمانهم بل يعاقبهم، والأصل أنه لا يحبهم، وأَظهر ليصرح بالعلة وهى الاستكبار فإِن تعليق الحكم بمعنى المشتق يؤذن بعلية معنى ما منه الاشتقاق، أو المتكبرين عام لكل مستكبر فالإِظهار على بابه ويدخل كفار قريش فيهم دخولا أَوليا، أَو المعنى لا يحب المستكبرين مطلقاً فكيف من استكبر على التوحيد واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، أَو المستكبر متعاطي الكبر بما ليس عنده فهو أَقبح من المتكبر، أَو لا يحب الذين يطلبون الكبر فلم يصلوه فكيف بمن طلبه وفعله، والأَولى أنه بمعنى المتكبر لقوله: فلبئس مثوى المتكبرين، والأولى أَنهما سواء وأن كلا منهما يطلق على من ادعى الكبرياءَ من الناس بما عنده، ومن ادعاها بما ليس عنده..والذنوب يمكن إخفاؤها إلا التكبر فإنه لا يخفى وهو أصل العصيان إذ تكبر إبليس فلم يسجد لآدم...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والله الذي خلقهم يعلم ذلك منهم. فهو يعلم ما يسرون وما يعلنون. يعلمه دون شك ولا ريب ويكرهه فيهم. (إنه لا يحب المستكبرين) فالقلب المستكبر لا يرجى له أن يقتنع أو يسلم. ومن ثم فهم مكرهون من الله لاستكبارهم الذي يعلمه من يعلم حقيقة أمرهم ويعلم ما يسرون وما يعلنون.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

جملة {لا جرم أن الله يعلم} معترضة بين الجملتين المتعاطفتين. والجَرم بالتحريك: أصلهُ البُدُّ. وكثر في الاستعمال حتى صار بمعنى حَقّاً.

والتعريف في {المستكبرين} للاستغراق، لأن شأن التذييل العموم. ويشمل هؤلاء المتحدّث عنهم فيكون إثبات العقاب لهم كإثبات الشيء بدليله.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

ولكنهم يحاولون أن يغطّوا هذه الحالة السلبية المعقّدة فيهم، والإيحاء بأن رفضهم للعقيدة الجديدة أو للرسول ينطلق من موقفٍ فكري حقيقيّ، موضوعه اختلاف المفاهيم الفكرية التي يحملونها عن قناعةٍ عما تطرحه دعوة الرسول من قضايا ومفاهيم، لإكساب معارضتهم نوعاً من الاحترام أمام جماعاتهم، كي لا تتحول إلى موقف عنادٍ وتمرّدٍ دون أساس. ولكن الله يفضح المسألة كلها، لأنه يعلم خفايا الأشياء كما يعلم ظواهرها {لاَ جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} فلا يمكنهم إخفاء حقيقة الموقف عنه، لأن علمه ينفذ إلى ما يفكرون، حتى يطلع على وساوس الصدور وخائنة الأعين، الأمر الذي يفقدهم محبة الله، لاطلاعه على طبيعة الكبرياء المعقّدة في مواقفهم.

{إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} لأن الاستكبار لا يمثل موقف انفتاحٍ إنسانيّ، بل يمثل حالة انغلاقٍ معقّدٍ شيطانيّ مرفوضٍ من الله ورسالاته، لأنه يقهر إنسانية المستضعفين من الناس، وينحرف بالتفكير إلى اتجاهٍ مضادٍ للحقيقة، ويحوّل الحياة من حوله إلى ما يشبه الجحيم...