الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ} (23)

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي ، عن ابن عباس في قوله { لا جرم } يقول بلى .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي مالك في قوله { لا جرم } يعني الحق .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله { لا جرم } قال لا كذب .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { إنه لا يحب المستكبرين } قال : هذا قضاء الله الذي قضى { إنه لا يحب المستكبرين } وذكر لنا ، «أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ، إنه ليعجبني الجمال ، حتى أود أن علاقة سوطي ، وقبالة نعلي حسن ، فهل ترهب عليّ الكبر ؟ فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : كيف تجد قلبك ؟ قال : أجده عارفاً للحق مطمئناً إليه . قال : فليس ذاك بالكبر ، ولكن الكبر أن تبطر الحق وتغمص الناس ، فلا ترى أحداً أفضل منك ، وتغمص الحق ، فتجاوزه إلى غيره » .

وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وعبد بن حميد وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الحسين بن علي ، أنه كان يجلس إلى المساكين ثم يقول : { إنه لا يحب المستكبرين } .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن علي قال : ثلاث من فعلهن لم يكتب مستكبراً : من ركب الحمار ولم يستنكف ، ومن اعتقل الشاة واحتلبها ، وأوسع للمسكين وأحسن مجالسته .

وأخرج مسلم والبيهقي في الشعب ، عن عياض بن حمار المجاشعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : في خطبته « إن الله أوحى إليّ ، أن تواضعوا ، حتى لا يفخر أحد على أحد » .

وأخرج البيهقي ، عن عمر بن الخطاب رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله : «من تواضع لي هكذا - وأشار بباطن كفه إلى الأرض وأدناه من الأرض - رفعته هكذا - وأشار بباطن كفه إلى السماء - ورفعها نحو السماء .

وأخرج الخطيب والبيهقي ، عن عمر أنه قال على المنبر : يا أيها الناس تواضعوا ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «من تواضع لله رفعه الله وقال : انتعش رفعك الله ، فهو في نفسه صغير ، وفي أعين الناس عظيم ، ومن تكبر ، وضعه الله ، وقال : اخسأ خفضك الله ، فهو في أعين الناس صغير ، وفي نفسه كبير ، حتى لهو أهون عليهم من كلب أو خنزير » .

وأخرج البيهقي ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من آدمي إلا وفي رأسه سلسلتان - سلسلة في السماء وسلسلة في الأرض - وإذا تواضع العبد ، رفعه الملك الذي بيده السلسلة من السماء ، وإذا تجبر جذبته السلسلة التي في الأرض » .

وأخرج البيهقي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من أدمي إلا وفي رأسه حكمة - الحكمة بيد ملك - فإن تواضع قيل للملك : ارفع حكمته ، وإن ارتفع ، قيل للملك : ضع حكمته » .

وأخرج البيهقي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من تكبر تعظماً وضعه الله ، ومن تواضع لله تخشعاً رفعه الله » .

وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن مردويه والبيهقي ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان » . فقال رجل : يا رسول الله ، الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً ؟ فقال : «إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر من بطر الحق وغمص الناس » .

وأخرج ابن سعد وأحمد والبيهقي ، عن أبي ريحانة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «لا يدخل شيء من الكبر الجنة » قال قائل : يا رسول الله ، إني أحب أن أتجمل بعلاقة سوطي وشسع نعلي ؟ فقال : إن ذلك ليس بالكبر «إن الله جميل يحب الجمال ، إنما الكبر من سفه الحق ، وغمص الناس بعينيه » . وأخرجه البغوي في معجمه والطبراني ، عن سوار بن عمرو الأنصاري قال : « قلت يا رسول الله ، إني رجل حبب إلي الجمال ، وأعطيت منه ما ترى ، فما أحب أن يفوقني أحد في شسع أفمِنَ الكبر ذاك ؟ قال : لا . قلت : فما الكبر يا رسول الله ؟ قال : «من سفه الحق وغمص الناس » .

وأخرج البغوي والطبراني ، عن سوار بن عمرو الأنصاري قال : «سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إني رجل حبب إلي الجمال ، حتى إني لا أحب أحداً يفوقني بشراك ، أفمن الكبر ذاك ؟ قال : لا . «ولكن الكبر من غمص الناس وبطر الحق » .

وأخرج ابن عساكر ، عن ابن عمر ، عن أبي ريحانة قال : «يا رسول الله ، إني لأحب الجمال حتى في نعلي وعلاقة سوطي ، أفمن الكبر ذلك ؟ قال : «إن الله جميل يحب الجمال ، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده ، الكبر من سفَّه الحق ، وغمص الناس أعمالهم » .

وأخرج ابن عساكر ، عن خريم بن فاتك أنه قال : يا رسول الله ، إني لأحب الجمال ، حتى إني لأحبه في شراك نعلي ، وجلاد سوطي ، وإن قومي يزعمون أنه من الكبر ، فقال «ليس الكبر أن يحب أحدكم الجمال ، ولكن الكبر أن يسفه الحق ويغمص الناس » .

وأخرج سمويه في فوائده ، والباوردي ، وابن قانع ، والطبراني ، عن ثابت بن قيس بن شماس قال : ذكر الكبر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً ، فقال رجل من القوم : والله يا رسول الله ، إن ثيابي لتغسل ، فيعجبني بياضها ، ويعجبني علاقة سوطي ، وشراك نعلي ، فقال النبي : - صلى الله عليه وسلم - ليس ذاك من الكبر ، إنما الكبر : أن تسفه الحق وتغمص الناس » .

وأخرج الطبراني ، عن أسامة قال : أقبل رجل من بني عامر فقال : يا رسول الله ، بلغنا أنك شددت في لبس الحرير والذهب ، وإني لأحب الجمال ، فقال رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - « إن الله جميل يحب الجمال ، إنما الكبر من جهل الحق وغمص الناس بعينيه » .

وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : «أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني رجل حبب إليَّ الجمال ، وأعطيت منه ما ترى ؛ حتى ما أحب أن يفوقني أحد بشراك ، أو شسع ، أفمن الكبر هذا ؟ قال : «لا ، ولكن الكبر من بطر الحق وغمص الناس » .

وأخرج الحاكم وصححه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه مثله ، وفيه : إن الرجل مالك الرهاوي ، وقال البغي بدل الكبر .

وأخرج أحمد في الزهد ، عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أوصى نوح ابنه ، فقال : إني موصيك بوصية وقاصرها عليك حتى لا تنسى ، أوصيك باثنتين ، وأنهاك عن اثنتين ، فأما اللتان أوصيك بهما ، فإني رأيتهما يكثران الولوج على الله عز وجل ، ورأيت الله تبارك وتعالى يستبشر بهما ، وصالح خلقه ، قل : سبحان الله وبحمده ، فإنها صلاة الخلق وبها يرزق الخلق ، وقل : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فإن السماوات والأرض لو كُنَّ حلقة لقصمتها ، ولو كُنَّ في كفةٍ لرجحت بهن ، وأما اللتان أنهاك عنهما ، فالشرك والكبر ، فقال عبد الله بن عمرو : يا رسول الله ، الكبر أن يكون لي حلة حسنة ألبسها ؟ قال : «لا إن الله جميل يحب الجمال » قال : فالكبر أن يكون لي دابة صالحة أركبها ؟ قال : لا ، قال : فالكبر أن يكون لي أصحاب يتبعوني وأطعمهم ؟ قال : لا ، قال : فأيما الكبر يا رسول الله ؟ قال : «أن تسفه الحق وتغمص الناس » .

وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عبد الله بن عمرو قال : لا يدخل حظيرة القدس متكبر .

وأخرج عبد بن حميد ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : المتكبرون يجعلون يوم القيامة في توابيت من نار فتطبق عليهم .

وأخرج أحمد والدارمي والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو يعلى وابن حبان والحاكم ، عن ثوبان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من فارق الروح جسده وهو بريء من ثلاث دخل الجنة ، الكبر والدين والغلول » قال ابن الجوزي : في جامع المسانيد كذا روى لنا الكبر ، وقال الدارقطني إنما هو الكنز بالنون والزاي .

وأخرج الطبراني عن السائب بن يزيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر » قالوا يا رسول الله هلكنا وكيف لنا أن نعلم ما في قلوبنا من دأب الكبر ؟ وأين هو ؟ فقال : «من لبس الصوف ، أو حلب الشاة ، أو أكل مع من ملكت يمينه ، فليس في قلبه إن شاء الله الكبر » .

وأخرج تمام في فوائده وابن عساكر ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من لبس الصوف وانتعل المخصوف وركب حماره وحلب شاته وأكل معه عياله ، فقد نحى الله عنه الكبر . أنا عبد ابن عبد أجْلِس جلسة العبد وآكل أكل العبد ، أني قد أوحي إلي أن تواضعوا ولا يبغ أحد على أحد ، أن يد الله مبسوطة في خلقه ، فمن رفع نفسه وضعه الله ، ومن وضع نفسه رفعه الله ، ولا يمشي امرؤ على الأرض شبراً يبتغي سلطان الله إلا أكبه الله » .

وأخرج أحمد في الزهد عن يزيد بن ميسرة قال : قال عيسى عليه السلام : ما لي لا أرى فيكم أفضل العبادة ؟ قالوا : وما أفضل العبادة يا روح الله ؟ قال : التواضع لله .

وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : إنكم لتدعون أفضل العبادة : التواضع .

وأخرج البيهقي عن يحيى بن أبي كثير قال : أفضل العمل الورقع ، وخير العبادة التواضع .

وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي ، عن ابن عمرو أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ، كبّه الله على وجهه في النار » .

وأخرج البيهقي عن النعمان بن بشير : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن للشيطان مصالي وفخوخاً ، وإن من مصاليه وفخوخه البطر بنعم الله والفخر بعطاء الله والكبر على عباد الله واتباع الهوى في غير ذات الله تعالى » .

وأخرج البيهقي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ألا أنبئكم بأهل النار ؟ كل فظ غليظ مستكبر . ألا أنبئكم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعف ذي طمرين ، لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره » .

وأخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه والبيهقي ، عن جبير بن مطعم قال : يقولون في التيه : وقد ركبت الحمار ولبست الشملة وحلبت الشاة . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من فعل هذا فليس فيه من الكبر شيء » .

وأخرج أحمد في الزهد ، عن عبد الله بن شداد رفع الحديث قال : من لبس الصوف واعتقل الشاة وركب الحمار وأجاب دعوة الرجل الدون أو العبد ، لم يكتب عليه من الكبر شيء .

وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبو يعلى والحاكم وصححه والبيهقي ، عن عبد الله بن سلام أنه رؤي في السوق على رأسه حزمة حطب ، فقيل له : أليس قد أوسع الله عليك ؟ قال : بلى ، ولكني أردت أن أدفع الكبر ، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر » .

وأخرج البيهقي عن جابر قال : «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل رجل ، فلما رآه القوم أثنوا عليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأرى على وجهه سفعة من النار . فلما جاء وجلس قال : أنشدك بالله ، أجئت وأنت ترى أنك أفضل القوم ؟ قال : نعم » .

وأخرج البيهقي عن ابن المبارك ، أنه سئل عن التواضع فقال : التكبر على الأغنياء .

وأخرج البيهقي عن ابن المبارك قال : من التواضع أن تضع نفسك عند من هو دونك في نعمة الدنيا ، حتى تعلمه أنه ليس لك فضل عليه لدنياك ، وأن ترفع نفسك عند من هو فوقك في دنياه ، حتى تعلمه أنه ليس لدنياه فضل عليك .

وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال : من خضع لغني ووضع له نفسه إعظاماً له وطمعاً فيما قبله ، ذهب ثلثا مروءته وشطر دينه .

وأخرج أحمد في الزهد عن عون بن عبد الله قال : قال عبد الله بن مسعود : لا يبلغ عبد حقيقة الإِيمان حتى يحل بذروته ، ولا يحل بذروته حتى يكون الفقر أحب إليه من الغنى والتواضع أحب إليه من الشرف ، وحتى يكون حامده وذامّه سواء . قال : ففسرها أصحاب عبد الله قالوا : حتى يكون الفقر في الحلال أحب إليه من الغني في الحرام . وحتى يكون التواضع في طاعة الله أحب إليه من الشرف في معصية الله ، وحتى يكون حامده وذامّه في الحق سواء .