الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ} (23)

وقوله : { لاَ جَرَمَ } [ النحل : 23 ] عبَّرت فرقةٌ من اللُّغويِّين عن معناها ب«لاَ بُدَّ ولا محالة » ، وقالت فرقة : معناها : حق أن اللَّه ، ومذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أنَّ «لا » نفيٌ لما تقدَّم من الكلامِ ، و«جرم » : معناه : وَجَبَ أو حَقَّ ، ونحوه ، هذا مذهبُ الزَّجَّاجِ ، ولكنْ مع مذهبهما ، «لا » ملازِمَةٌ ل«جَرَمَ » لا تنفَكُّ هذه مِنْ هذه .

وقوله سبحانه : { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين } .

عامٌّ في الكافرين والمؤمنين يأخذ كلُّ أحد منهم بِقِسْطه .

قال الشيخُ العارفُ باللَّه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبي جَمْرَةَ رحمه اللَّه : موتُ النفوسِ حياتُهَا ، مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَحْيَا يَمُوتُ ببَذْل أَهْل التوفيقِ نفوسَهُم وهوانِهَا عليهم ، نالوا ما نالوا ، وبِحُبِّ أهْل الدنيا نفوسَهُم هانوا وطَرَأَ عليهم الهوانُ هنا وهناك ، وقد ورد في الحديثِ : «أنَّه مَا مِنْ عَبْدٍ إِلا وَفِي رَأْسِهِ حِكْمَةٌ بِيَدِ مَلَكٍ ، فَإِنْ تَعَاظَمَ ، وارتفع ، ضَرَبَ المَلَكُ فِي رَأْسِهِ ، وَقَالَ لَهُ : اتضع وَضَعَكَ اللَّهُ ، وَإِنْ تَوَاضَعَ رَفَعَهُ المَلَكُ ، وَقَالَ لَهُ : ارتفع ، رَفَعَكَ اللَّهُ » ، مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا بما به يقرِّبنا إِليه بمنِّهِ . انتهى .