روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ} (23)

{ لاَ جَرَمَ } أي حق أو حقاً { أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ } من الإنكار { وَمَا يُعْلِنُونَ } من الاستكبار ، وقال يحيى بن سلام . والنقاش : المراد هنا بما يسرون تشاورهم في دار الندوة في قتل النبي عليه الصلاة والسلام ، وهو كما ترى ، وأياً ما كان فالمراد من العلم بذلك الوعيد بالجزاء عليه ، وأن وما بعدها في تأويل مصدر مرفوع بلا جرم بناءً على ما ذهب إليه الخليل . وسيبويه . والجمهور من أنها اسم مركب مع لا تركيب خمسة عشر وبعد التركيب صار معناها معنى فعل وهو حق فهي مؤولة بفعل . وأبو البقاء يؤولها بمصدر قائم مقامه وهو حقاً ، وقيل : مرفوع بجرم نفسها على أنها فعل ماض بمعنى ثبت ووجب و { لا } نافية لكلام مقدر تكلم به الكفرة كقوله سبحانه : { لاَ أُقْسِمُ } [ البلد : 1 ] على وجه . وذهب الزجاج إلى أنه منصوب على المفعولية لجرم على أنها فعل أيضاً لكن بمعنى كسب وفاعلها مستتر يعود إلى ما فهم من السياق ولا كما في القول السابق ، وقيل : إنه خبر { لا } حذف منه حرف الجر و { جَرَمَ } اسمها ، والمعنى لا صدأ ولا منع في أن الله يعلم الخ ، وقد مر تمام الكلام في ذلك .

وقرأ عيسى الثقفي { ءانٍ } بكسر الهمزة على الاستئناف والقطع مما قبله على ما قال أبو حيان ، ونقل عن بعضهم أنه قد يغني { لاَ جَرَمَ } عن القسم تقول : لا جرم لآتينك وحينئذٍ فتكون الجملة جواب القسم { إنَّهُ } جل جلاله { لاَ يُحِبُّ المستكبرين } أي مطلقاً ويدخل فيه من استكبر عن التوحيد أو عن الآيات الدالة عليه دخولاً أولياً ، وجوز أن يراد به أولئك المستكبرون والأول أولى ، وأياً ما كان فالاستفعال ليس للطلب مثله فيما تقدم ، وجوز كونه عاماً مع حمل الاستفعال على ظاهره من الطلب أي لا يحب من طلب الكبر فضلاً عمن اتصف به ، وقد فرق الراغب بين الكبر والتكبر والاستكبار بعد القول بأنها متقاربة ، والحق أنه قد يستعمل بعضها موضع بعض ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر ذلك آنفاً وأظنه قد تقدم أيضاً ؛ والجملة تعليل لما تضمنه الكلام السابق من الوعيد ، والمراد من نفي الحب البغض وهو عند البعض مؤول بنحو الانتقام والتعذيب ، والأخبار الناطقة بسوء حال المتكبر يوم القيامة كثيرة جداً .