{ لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ( 23 ) }
{ لاَ جَرَمَ } قال الخليل : هي كلمة تحقيق ولا يكون إلا جوابا أي حقا ، قلت لا نافية وجرم بمعنى بد ، وهذا بحسب الأصل ، وأما الآن فقد ركبت لا مع جرم تركيب خمسة عشر وجعلا بمعنى كلمة واحدة ، وتلك الكلمة مصدر أو فعل معناه حق وثبت .
وقوله : { أَنَّ اللّهَ } فاعل لا جرم وقد مر تحقيق الكلام في لا جرم بأبسط من هذا قال أبو مالك لا جرم ، يعني الحق ، وقال الضحاك لا كذب { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ } من أقوالهم وأفعالهم { وَمَا يُعْلِنُونَ } من ذلك { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } أي لا يحب هؤلاء الذين يستكبرون عن توحيد الله والاستجابة لأنبيائه ، والجملة تعليل لما تضمنه الكلام المتقدم .
أخرج مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، فقال رجل يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا ؛ فقال :إن الله جميل يحب الجمال ؛ الكبر من بطر الحق وغمطُ الناس ) {[1046]} .
وفي ذم الكبر ومدح التواضع أحاديث كثيرة ، وكذلك في إخراج محبة حسن الثوب وحسن النعل ونحو ذلك من الكبر أحاديث كثيرة ، فقد روي عن الحسين بن علي أنه مر بمساكين قد قدموا كسراً لهم وهم يأكلون فقالوا : الغذاء يا أبا عبد الله فنزل وجلس معهم وقال : إنه لا يحب المستكبرين ثم أكل فلما فرغوا قال : قد أجبتكم فأجيبوني فقاموا معه إلى منزله فأطعمهم وسقاهم وأعطاهم فانصرفوا .
قال العلماء ؛ كل ذنب ستره وإخفاؤه إلا التكبر فإنه فسق يلزمه الإعلان وهو أصل العصيان كله ، وفي الحديث الصحيح : ( أن المتكبرين أمثال الذر يوم القيامة تطؤهم الناس بأقدامهم لتكبرهم ) {[1047]} أو كما قال صلى الله عليه وسلم : ( تصغر لهم أجسامهم في المحشر حين يضرهم تصغيرها وتعظم لهم في النار حين يضرهم عظمها ) ذكره القرطبي .
والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين ماهية الكبر أنه بطر الحق وغمط الناس ، فهذا هو الكبر المذموم ، وقد ساق صاحب الدر المنثور عند تفسيره لهذه الآية أحاديث كثيرة ليس هذا مقام إيرادها ، بل المقام مقام ذكر ما له علاقة بتفسير الكتاب العزيز .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.