التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ} (23)

قوله : ( لاجرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) ( لا جرم ) أي لابد ، ولا محالة . وقيل : معناه حقا . والعرب تقول : لا جرم لآتينك . لا جرم لقد أحسنت ؛ فتراها بمنزلة اليمين . وقيل : لا جرم كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة ، فجرت على ذلك وكثرت حتى تحولت إلى معنى القسم وصارت بمنزلة حقا . فلذلك يجاب عنها باللام كما يجاب بها عن القسم كقولهم : لا جرم لآتينك . وهو قول الفراء{[2514]} .

وفي الآية تأكيد جازم على أن الله يعلم ما يخفيه هؤلاء المشركون الظالمون في قلوبهم من مكنونات السوء والكيد ، وما يضمرونه للإسلام والمسلمين من نوايا الخبث والمكر . وهو كذلك يعلم ما يعلنون للبشرية من مجاهرة بالضلال والكفر وما يشيعونه على الملأ من أقاويل الظلم والباطل ليثيروا من حول الإسلام الشبهات والافتراءات فيثنوا المسلمين عن دينهم ويثبطونهم تثبيطا .

قوله : ( إنه لا يحب المستكبرين ) ليس من ذنب ولا خطيئة أشد شناعة وأفدح فظاعة بعد الإشراك بالله من الكبر ؛ لأن الكبر داء يستحوذ على القلب فيسوّل له الإدبار عن دين الله ويزين له التمرد على الله في شرعه للناس . ولا يحمل المرء في نفسه شيئا من استكبار إلا ويوشك أن يبوء بالشقوة والخسران إلا أن يبادر إلى التوبة والخشوع ؛ فإن من يستكبر يسلس قياده من قبل الشيطان ليجد طريقه ممهدا إلى النار . وهؤلاء المستكبرون لا يحبهم الله ولا يثني عليهم ؛ بل يجزيهم ما يستحقونه من أليم الجزاء .


[2514]:- لسان العرب جـ12 ص 94.