تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِذٗا لَّأَذَقۡنَٰكَ ضِعۡفَ ٱلۡحَيَوٰةِ وَضِعۡفَ ٱلۡمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيۡنَا نَصِيرٗا} (75)

{ إذًا } لو ركنت إليهم بما يهوون { لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات } أي لأصبناك بعذاب مضاعف ، في الحياة الدنيا والآخرة ، وذلك لكمال نعمة الله عليك ، وكمال معرفتك .

{ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا } ينقذك مما يحل بك من العذاب ، ولكن الله تعالى عصمك من أسباب الشر ، ومن البشر فثبتك وهداك الصراط المستقيم ، ولم تركن إليهم بوجه من الوجوه ، فله عليك أتم نعمة وأبلغ منحة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذٗا لَّأَذَقۡنَٰكَ ضِعۡفَ ٱلۡحَيَوٰةِ وَضِعۡفَ ٱلۡمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيۡنَا نَصِيرٗا} (75)

73

ورحمه من عاقبة هذا الركون ، وهي عذاب الدنيا والآخرة مضاعفا ، وفقدان المعين والنصير .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِذٗا لَّأَذَقۡنَٰكَ ضِعۡفَ ٱلۡحَيَوٰةِ وَضِعۡفَ ٱلۡمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيۡنَا نَصِيرٗا} (75)

وقوله { إذاً لأذقناك } الآية ، يبطل أيضاً ما ذهب إليه ابن الأنباري ، وقوله { ضعف الحياة وضعف الممات } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك يريد ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات .

قال القاضي أبو محمد : على معنى أن ما يستحقه هذا المذنب من عقوبتنا في الدنيا والآخرة كنا نضعفه لك ، وهذا التضعيف شائع مع النبي عليه السلام في أجره ، وفي ألمه وعقاب أزواجه{[7650]} ، وباقي الآية بين .


[7650]:من المعروف أن جواب (لولا) إذا كان مثبتا يكون ممتنع الوقوع لوجود ما قبله، فمقاربة الركون لم تقع أصلا والمانع من ذلك هو وجود تثبيت الله تعالى له، فالآية بهذا الفهم الواضح تنفي حتى مجرد قربه صلى الله عليه وسلم من الركون إليهم، ثم إن (كاد) فعل من أفعل المقاربة، وهي تعطي معنى (مقاربة) الشيء، ومقاربة الشيء غير الوقوع فيه، بل هي تؤكد عدم الوقوع في فعل الشيء، والآية الكريمة بهذا تنفي ركون النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وتنفي أيضا مقاربته للركون.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِذٗا لَّأَذَقۡنَٰكَ ضِعۡفَ ٱلۡحَيَوٰةِ وَضِعۡفَ ٱلۡمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيۡنَا نَصِيرٗا} (75)

جملة { إذا لأذقناك ضعف الحياة } جزاءٌ لجملة { لقد كدت تركن } . والمعنى : لو تركن إليهم لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات . ولِما في ( إذن ) من معنى الجزاء استغني عن ربط الجملة بحرف التفريع . والمعنى : لقد كدت تركن فلأذقناك .

والضعف بكسر الضاد : مماثل مقدار شيءٍ ذِي مقدار ، فهو لا يكون إلا مبيناً بجنسه لفظاً أو تقديراً مثل قوله تعالى : { من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين } [ النور : 30 ] ، أي ضعفي ما أعد لتلك الفاحشة . ولما كان كذلك ساغ إطلاقه دون بيان اعتماداً على بيان السياق كما هنا ، فإن ذكر الإذاقة في مقام التحذير ينبىء بأنها إذاقة عذاب موصوف بأنه ضِعف .

ثم إن الضعف أطلق هنا على القوي الشديد لعدم حمل الضعف على حقيقته إذ ليس ثَمّ عِلم بمقدار العذاب يراد تضعيفه كقوله : { فآتهم عذاباً ضعفاً من النار } وتقدم ذلك في سورة [ الأعراف : 38 ] .

وإضافة الضعف إلى الحياة وإلى الممات على معنى ( في ) ، فإن تقدير معنى ( في ) بَيْنَ المتضايفين لا يختص بإضافة ما يضاف إلى الأوقات . فالتقدير : لأذقناك ضعفاً في الحياة وضعفاً في الممات ، فضعف عذاب الحياة هو تراكم المصائب والأرزاء في مدة الحياة ، أي العمر بزوال ما كان يناله من بهجة وسرور بتمام دعوته وانتظام أمته ، ذلك أن يتمكن منه أعداؤه ، وعذاب الممات أن يموت مكموداً مستذلاً بين كفار يرون أنهم قد فازوا عليه بعد أن أشرفوا على السقوط أمامه .

ويشبه أن يكون قوله : { وضعف الممات } في استمرار ضعف الحياة ، فيكون المعنى : لأذقناك ضعف الحياة حتى المماتِ .

فليس المراد من ضعف الممات عذاب الآخرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو ركن إليهم شيئاً قليلاً لكان ذلك عن اجتهاد واجتلاباً لمصلحة الدين في نظره ، فلا يكون على الاجتهاد عقاب في الآخرة إذ العقاب الأخروي لا يكون إلا على مخالفة في التكليف ، وقد سوغ الله لنبيئه الاجتهاد وجعل للمخطىء في اجتهاده أجراً كما قرر في تفسير قوله تعالى : { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } في سورة [ الأنفال : 68 ] .

وأما مصائب الدنيا وأرزاؤها فهي مسببة على أسباب من الأغلاط والأخطاء فلا يؤثر في التفادي منها حسن النية إن كان صاحبها قد أخطأ وجه الصواب ، فتدبر في هذه المعاني تدبر ذوي الألباب ، ولهذا خولف التعبير المعتاد استعماله لعذاب الآخرة . وعبر هنا ب { ضعف الحياة وضعف الممات } .

وجملة { ثم لا تجد لك علينا نصيراً } معطوفة على جملة { لأذقناك } .

وموقعها تحقيق عدم الخلاص من تلك الإذاقة . و ( ثُم ) للترتيب الرتبي لأن عدم الخلاص من العذاب أهم من إذاقته ، فرتبته في الأهمية أرقى . والنصير : الناصر المخلص من الغلبة أو الذي يثأر للمغلوب ، أي لا تجد لنفسك من ينتصر لك فيصدنا عن إلحاق ذلك بك أو يثأر لك منا .