تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{إِذٗا لَّأَذَقۡنَٰكَ ضِعۡفَ ٱلۡحَيَوٰةِ وَضِعۡفَ ٱلۡمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيۡنَا نَصِيرٗا} (75)

71

المفردات :

ضعف الحياة وضعف الممات : أي : ضعف حياة الدنيا وضعف عذاب الآخرة .

نصيرا : أي : معينا يدفع عنك العذاب .

التفسير :

75- { إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا } .

أي : ولو ركنت إلى فتنة المشركين ؛ لأذقناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات ، أي : ضاعفنا لك العذاب في الدنيا والآخرة ( والضعف ) عبارة عن أن يضم إلى الشيء مثله والسبب في تضعيف العذاب أن الذنب من العظيم يكون عقابه أعظم ، ومن ثم يعاقب العلماء على زلاتهم من عقاب العامة ؛ لأن الناس تتبع العلماء وتقتدي بهم ، ومن ثم قال القاتل :

يا معشر العلماء يا ملح البلد *** من يصلح الملح إذا الملح فسد

وقد جاء في الأثر : ( من سن سنة سيئة ؛ فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ) .

{ ثم لا تجد لك علينا نصيرا } .

يعني : لو أذقناك العذاب لم تجد أحدا يدفعه عنه أو يخلصك منه .

تنبيهات :

الأول : قال النيسابوري : اعلم أن القرب من الفتنة لا يدل على الوقوع فيها والتهديد على المعصية لا يدل على الإقدام عليها فلا يلزم من الآية طعن في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه أنه لا عصمة من العاصي إلا بتوفيق الله وتثبيته على الحق{[440]} .

الثاني : قال في التفسير الكبير : حاصل الكلام أنك لو مكنت خواطر الشيطان من قلبك وعقدت على الركون إليه همك ؛ لاستحققت تضعيف العذاب عليك في الدنيا والآخرة ولصار عذابك مثل عذاب المشرك في الدنيا ومثل عذابه في الآخرة{[441]} .

الثالث : قال القفال : من المعلوم أن المشركين كانوا يسعون في إبطال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقصى ما يقدرون عليه . فتارة كانوا يقولون : إن عبدت آلهتنا عبدنا إلهك ؛ فأنزل الله تعالى : { قل يا أيها الكافرون . لا أعبد ما تعبدون } . ( الكافرون : 2 ، 1 ) . وقوله { ودّوا لو تُذهنُ فيُذهنون } . ( القلم : 9 ) . وعرضوا عليه الأموال الكثيرة والنساء الجميلة ؛ ليترك ادعاء النبوة فأنزل الله تعالى : { ولا تمدن عيناك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى } . ( طه : 131 ) .

ودعوه إلى طرد المؤمنين عن نفسه فأنزل الله تعالى قوله : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم . . . ( الأنعام : 52 ){[442]} .

فيجوز أن تكون هذه الآيات نزلت في هذا الباب ، وذلك أنهم قصدوا أن يفتنوه عن دينه وأن يزيلوه عن منهجه . فبين تعالى أنه يثبته على الدين القويم والمنهج المستقيم ، وعلى هذا الطريق ، فلا حاجة في تفسير الآيات ، إلى شيء من تلك الروايات . والله أعلم{[443]} .


[440]:- تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري 15/72 ط بولاق.
[441]:- تفسير النيسابوري 15/71.
[442]:- الأنعام 52 وتمام الآية: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين}.
[443]:- تفسير القاسمي 10/3956، وتفسير النيسابوري 15/70 ط بولاق.