مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{إِذٗا لَّأَذَقۡنَٰكَ ضِعۡفَ ٱلۡحَيَوٰةِ وَضِعۡفَ ٱلۡمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيۡنَا نَصِيرٗا} (75)

{ إِذَا } لو قاربت تركن إليهم أدنى ركنة { إِذًا لأذقناك ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات } لأذقناك عذاب الآخرة وعذاب القبر مضاعفين لعظيم ذنبك بشرف منزلتك ونبوتك كما قال : { يانساء النبى مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بفاحشة } [ الأحزاب : 30 ] الآية . وأصل الكلام لأذقناك عذاب الحياة وعذاب الممات لأن العذاب عذابان : عذاب في الممات وهو عذاب القبر ، وعذاب في حياة الآخرة وهو عذاب النار . والعذاب يوصف بالضعف كقوله : { فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النار } [ الأعراف : 38 ] أي مضاعفاً فكأن أصل الكلام لأذقناك عذاباً ضعفاً في الحياة وعذاباً ضعفاً في الممات ، ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وهو الضعف ، ثم أضيفت الصفة إضافة الموصوف فقيل ضعف الحياة وضعف الممات . ويجوز أن يراد بضعف الحياة عذاب الحياة الدنيا ، وبضعف الممات ما يعقب الموت من عذاب القبر وعذاب النار . وفي ذكر الكيدودة وتقليلها مع إتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين دليل على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله ، ولما نزلت كان عليه السلام يقول : " اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين " { ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا } معيناً لك يمنع عذابنا عنك .