تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيدٞ} (3)

ثم ذكر وجه تعجبهم فقال : { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } فقاسوا قدرة من هو على كل شيء قدير ، الكامل من كل وجه ، بقدرة العبد الفقير العاجز من جميع الوجوه ، وقاسوا الجاهل ، الذي لا علم له ، بمن هو بكل شيء عليم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيدٞ} (3)

1

ولكن أولئك القوم لم ينظروا للمسألة من هذا الجانب أصلا . إنما نظروا إليها من جانب آخر ساذج شديد السذاجة ، بعيد كل البعد عن إدراك حقيقة الحياة والموت ، وعن إدراك أي طرف من حقيقة قدرة الله . فقالوا : ( أئذا متنا وكنا ترابا ? ذلك رجع بعيد ) !

والمسألة إذن في نظرهم هي مسألة استبعاد الحياة بعد الموت والبلى . وهي نظرة ساذجة كما أسلفنا ، لأن معجزة الحياة التي حدثت مرة يمكن أن تحدث مرة أخرى . كما أن هذه المعجزة تقع أمامهم في كل لحظة ، وتحيط بهم في جنبات الكون كله . وهذا هو الجانب الذي قادهم إليه القرآن في هذه السورة .

غير أننا قبل أن نمضي مع لمسات القرآن وآياته الكونية في معرض الحياة ، نقف أمام لمسة البلى والدثور التي تتمثل في حكاية قولهم والتعليق عليه :

أإذا متنا وكنا ترابا . . . ? . . وإذن فالناس يموتون . وإذن فهم يصيرون ترابا . وكل من يقرأ حكاية قول المشركين يلتفت مباشرة إلى ذات نفسه ، وإلى غيره من الأحياء حوله . يلتفت ليتصور الموت والبلى والدثور . بل ليحس دبيب البلى في جسده وهو بعد حي فوق التراب ! وما كالموت يهز قلب الحي ، وليس كالبلى يمسه بالرجفة والارتعاش .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيدٞ} (3)

وقرأ الأعرج وشيبة وأبو جعفر «إذا » على الخبر دون استفهام{[10512]} ، والعامل { رجع بعيد } ، قال ابن جني ويحتمل أن يكون المعنى «أإذا متنا بعد رجعنا » ، فيدل : ذلك { رجع بعيد } على هذا الفعل الذي هو بعد ويحل محل الجواب لقولهم : «إذا » . والرجع : مصدر رجعته . وقوله { بعيد } في الأوهام والفكر كونه فأخبر الله تعالى رداً على قولهم بأنه يعلم ما تأكل الأرض من ابن آدم وما تبقى منه ، وإن ذلك في الكتاب ، وكذلك يعود في الحشر معلوماً ذلك كله .


[10512]:يرى أبو حيان الأندلسي أنه يجوز أن يكون استفهاما حذفت منه الهمزة، ويجوز أن يكونوا عدلوا إلى الخبر وجواب[إذا] مضمر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيدٞ} (3)

والاستفهام مستعمل في التعجيب والإبطال ، يريدون تعجيب السامعين من ذلك تعجيب إحالة لئلا يؤمنوا به . وجعلوا مناطَ التعجيب الزمانَ الذي أفادته ( إذا ) وما أضيف إليه ، أي زمنَ موتنا وكونِنا تراباً .

والمستفهم عنه محذوف دل عليه ظرف { أئذا متنا وكنا تراباً } والتقدير : أنرجع إلى الحياة في حين انعدام الحياة منا بالموت وحين تفتت الجسد وصيرورته تراباً ، وذلك عندهم أقصى الاستبعاد . ومتعلقّ ( إذا ) هو المستفهم عنه المحذوف المقدَّر ، أي نُرجَع أو نعود إلى الحياة وهذه الجملة مستقلة بنفسها .

وجملة { ذلك رجع بعيد } مؤكدة لجملة { أئذا متنا وكنا تراباً } بطريق الحقيقة والذِكر ، بعد أن أُفيد بطريق المجاز والحذف ، لأن شأن التأكيد أن يكون أجلى دلالة .

والرَّجع : مصدر رجَع ، أي الرجوع إلى الحياة . ومعنى { بعيد } أنه بعيد عن تصور العقل ، أي هو أمر مستحيل .