تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ} (5)

{ فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى } أي : أسود أي : جعله هشيمًا رميمًا ، ويذكر فيها نعمه الدينية ، ولهذا امتن الله بأصلها ومنشئها{[1409]} ، وهو القرآن ، فقال :


[1409]:- في ب: ومادتها.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ} (5)

والمرعى يخرج في أول أمره خضرا ، ثم يذوي فإذا هو غثاء ، أميل إلى السواد فهو أحوى ، وقد يصلح أن يكون طعاما وهو أخضر ، ويصلح أن يكون طعاما وهو غثاء أحوى . وما بينهما فهو في كل حالة صالح لأمر من أمور هذه الحياة ، بتقدير الذي خلق فسوى وقدر فهدى .

والإشارة إلى حياة النبات هنا توحي من طرف خفي ، بأن كل نبت إلى حصاد وأن كل حي إلى نهاية . وهي اللمسة التي تتفق مع الحديث عن الحياة الدنيا والحياة الأخرى . . . ( بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى ) . . والحياة الدنيا كهذا المرعى ، الذي ينتهي فيكون غثاء أحوى . . والآخرة هي التي تبقى .

وبهذا المطلع الذي يكشف عن هذا المدى المتطاول من صفحة الوجود الكبيرة . . تتصل حقائق السورة الآتية في سياقها ، بهذا الوجود ؛ ويتصل الوجود بها ، في هذا الإطار العريض الجميل . والملحوظ أن معظم السور في هذا الجزء تتضمن مثل هذا الإطار . الإطار الذي يتناسق مع جوها وظلها وإيقاعها تناسقا كاملا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ} (5)

و «الغثاء » ما يبس وجف وتحطم من النبات ، وهو الذي يحمله السيل ، وبه يشبه الناس الذين لا قدر لهم ، و «الأحوى » : قيل هو الأخضر الذي عليه سواد من شدة الخضرة والغضارة ، وقيل هو الأسود سواداً يضرب إلى الخضرة ومنه قول ذي الرمة : [ البسيط ]

لمياء في شفتيها حوّة لعس . . . وفي اللثاث وفي أنيابها شنب{[11748]}

قال قتادة : تقدير هذه الآية { أخرج المرعى } ، { أحوى } أسود من خضرته ونضارته ، { فجعله غثاء } عند يبسه ، ف { أحوى } حال ، وقال ابن عباس : المعنى { فجعله غثاء أحوى } أي أسود ، لأن الغثاء إذا قدم وأصابته الأمطار اسود وتعفن فصار { أحوى } بهذه الصفة .


[11748]:البيت في الديوان، واللسان، والقرطبي، والبحر المحيط، وفتح القدير، والشفة اللمياء هي اللطيفة القليلة الدم، وهذا يعطيها سمرة كانت محبوبة عند العرب، والحوة: السواد الضارب إلى الخضرة، وهو موضع الاستشهاد بالبيت هنا، واللعس –بفتح اللام المشددة والعين: لون الشفة إذا كانت تميل إلى السواد القليل، واللثات: جمع لثة، والشنب: برودة وعذوبة في الفم ورقة في الأسنان.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ} (5)

والغُثاء : بضم الغين المعجمة وتخفيف المثلثة ، ويقال بتشديد المثلثة هو اليابس من النبت .

والأحوى : الموصوف بالحُوَّة بضم الحاء وتشديد الواو ، وهي من الألوان : سُمرة تقرب من السواد . وهو صفة { غثاء } لأن الغثاء يابس فتصير خضرته حُوّة .

وهذا الوصف أحوى لاستحضار تغيُّر لونه بعد أن كان أخضر يانعاً وذلك دليل على تصرفه تعالى بالإنشاء وبالإنهاء . وفي وصف إخراج الله تعالى المرعى وجعله غُثاء أحوى مع ما سبقه من الأوصاف في سياق المناسبة بينها وبين الغرض المسوق له الكلام إيماء إلى تمثيل حال القرآن وهدايته وما اشتمل عليه من الشريعة التي تنفع الناس بحال الغيث الذي يَنبت به المرعَى فتنتفع به الدواب والأنعام ، وإلى أن هذه الشريعة تكمل ويبلغ ما أراد الله فيها كما يكمل المرعَى ويبلغ نُضجه حين يصير غثاء أحوى ، على طريقة تمثيلية مكنية رُمز إليها بذكر لازم الغيث وهو المرعى .

وقد جاء بيان هذا الإِيماء وتفصيله بقول النبي صلى الله عليه وسلم « مثل ما بَعَثني الله به من الهُدى والعِلم كمثَل الغيث الكثير أصابَ أرضاً فكان منها نَقِيُّةٌ قَبِلَتْ الماء فأنبتت الكلأ والعُشُبَ الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا وسَقوا وزرعوا » الحديث .

ويجوز أن يكون المقصود من جملة : { فجعله غثاء أحوى } إدماج العبرة بتصاريف ما أودع الله في المخلوقات من مختلف الأطوار من الشيء إلى ضده للتذكير بالفناء بعد الحياة كما قال تعالى : { اللَّه الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير } [ الروم : 54 ] للإِشارة إلى أن مدة نضارة الحياة للأشياء تشبه المدة القصيرة ، فاستعير لعطف { جعله غثاء } الحرفُ الموضوع لعطف ما يحصل فيه حكم المعطوف بعدَ زمن قريب من زمن حصول المعطوف عليه ، ويكون ذلك من قبيل قوله تعالى : { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام } إلى قوله : { فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس } [ يونس : 24 ] .