تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدٗا وَسَلَكَ لَكُمۡ فِيهَا سُبُلٗا وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّن نَّبَاتٖ شَتَّىٰ} (53)

ثم استطرد في هذا الدليل القاطع ، بذكر كثير من نعمه وإحسانه الضروري ، فقال : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا } أي : فراشا بحالة تتمكنون من السكون فيها ، والقرار ، والبناء ، والغراس ، وإثارتها للازدراع وغيره ، وذللها لذلك ، ولم يجعلها ممتنعة عن مصلحة من مصالحكم .

{ وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا } أي : نفذ لكم الطرق الموصلة ، من أرض إلى أرض ، ومن قطر إلى قطر ، حتى كان الآدميون يتمكنون من الوصول إلى جميع الأرض بأسهل ما يكون ، وينتفعون بأسفارهم ، أكثر مما ينتفعون بإقامتهم .

{ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى } أي : أنزل المطر { فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } وأنبت بذلك جميع أصناف النوابت على اختلاف أنواعها ، وتشتت أشكالها ، وتباين أحوالها ، فساقه ، وقدره ، ويسره ، رزقا لنا ولأنعامنا ، ولولا ذلك لهلك من عليها من آدمي وحيوان .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدٗا وَسَلَكَ لَكُمۡ فِيهَا سُبُلٗا وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّن نَّبَاتٖ شَتَّىٰ} (53)

ثم يستطرد فيعرض على فرعون آثار تدبير الله في الكون وآلائه على بني الإنسان . فيختار بعض هذه الآثار المحيطة بفرعون ، المشهودة له في مصر ذات التربة الخصبة والماء الموفور والزرع والأنعام :

( الذي جعل لكم الأرض مهدا ، وسلك لكم فيها سبلا ، وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى . كلوا وارعوا أنعامكم . إن في ذلك لآيات لأولي النهي ) . .

والأرض كلها مهد للبشر في كل مكان وزمان . مهد كمهد الطفل . وما البشر إلا أطفال هذه الأرض . يضمهم حضنها ويغذوهم درها ! وهي ممهدة لهم كذلك للسير والحرث والزرع والحياة . جعلها الخالق المدبر كذلك يوم أعطى كل شيء خلقه . فأعطى هذه الأرض خلقها على الهيئة التي خلقت بها صالحة للحياة التي قدرها فيها ؛ وأعطى البشر خلقهم كذلك على الهيئة التي خلقهم بها صالحين للحياة في هذه الأرض التي مهدها لهم وجعلها مهدهم . . المعنيان متقاربان متصلان .

وصورة المهد وصفة التمهيد لا تبدو في بقعة من الأرض كما تبدو في مصر . ذلك الوادي الخصيب الأخضر السهل الممهد الذي لا يحوج أهله إلا إلى أيسر الكد في زرعه وجناه . وكأنما هو المهد الحاني على الطفل يضمه ويرعاه .

والخالق المدبر الذي جعل الأرض مهدا ، شق للبشر فيها طرقا وأنزل من السماء ماء . ومن ماء المطر تتكون الأنهار وتفيض - ومنها نهر النيل القريب من فرعون - فيخرج النبات أزواجا من أجناس كثيرة . ومصر أظهر نموذج لأخراج النبات لطعام الإنسان ورعي الحيوان .

وقد شاء الخالق المدبر أن يكون النبات أزواجا كسائر الأحياء . وهي ظاهرة مطردة في الأحياء كلها . والنبات في الغالب يحمل خلايا التذكير ، وخلايا التأنيث في النبتة الواحدة وأحيانا يكون اللقاح في نبتة ذكر منفردة كما هو الحال في الفصائل الحيوانية . وبذلك يتم التناسق في نواميس الحياة ويطرد في كل الفصائل والأنواع . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدٗا وَسَلَكَ لَكُمۡ فِيهَا سُبُلٗا وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّن نَّبَاتٖ شَتَّىٰ} (53)

انظر إن هذه الأشياء التي ذكرها موسى عليه السلام هي مما تقضي بداية العقول أن فرعون وكل بشير بعيد منها لأنه لو قال هو القادر الرازق المريد العالم ونحو هذا من العبارات لأمكن فرعون أن يغالط فيقول أنا أفعل هذا كله فإنما أتاه موسى عليه السلام بصفات لا يمكنه أن يقول إن ذلك له وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «مِهاداً » بكسر الميم وبألف ، والمهاد قيل هو جمع مهد ، وقيل اسم مفرد كفرش وفراش ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «جعل لكم الأرض مَهْداً » بفتح الميم وسكون الهاء ، وقوله { سلك } بمعنى نهج ولحب{[8116]} ، و «السبل » الطرق ، وقوله { فأخرجنا به } يحتمل أن يكون كلام موسى تم عند قوله { وأنزل من السماء ماء } ثم وصل الله تعالى كلام موسى بإخباره لمحمد صلى الله عليه وسلم والمراد الخلق أجمع ، فهذه الآيات المنبهة عليها ، و «الأزواج » هنا بمعنى الأنواع ، وقوله { شتى } نعت للأزواج أي مختلفات .


[8116]:يقال: نهج الطريق: بينه، ويقال: لحب الطريق: أوضحه وبينه. فمعنى (سلك): أوضح وبين.