قوله : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ } : في هذا الموصولِ وجهان ، أحدُهما : أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ ، أو منصوبٌ بإضمار " أمدح " ، وهو على هذين التقديرين مِنْ كلامِ الله تعالى لا مِنْ كلامِ موسى ، وإنما احْتجنا إلى ذلك لأنَّ قولَه { فَأَخْرَجْنَا بِهِ } ، وقوله : { كُلُواْ وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ } وقولَه { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ } إلى قوله { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ } لا يَتَأتَّى أن يكونَ مِنْ كلام موسى ؛ فلذلك جَعَلْناه من كلامِ الباري تعالى . ويكون فيه التفاتٌ من ضمير الغَيْبةِ إلى ضمير المتكلِّم المعظمِ نفسَه ، فإن قلتَ : أجعلهُ مِنْ كلامِ موسى ، يعني أنه وَصَفَ ربَّه تعالى بذلك ثم التفتَ إلى الإِخبار عن الله بلفظِ المتكلِّمِ . قيل : إنما جَعَلناه التفاتاً في الوجهِ الأول ؛ لأنَّ المتكلمَ واحدٌ بخلاف هذا ، فإنه لا يتأتَّى فيه الالتفاتُ المذكورُ وأخواتُه من كلام الله .
والثاني : أنَّ " الذي " صفةٌ ل " ربي " فيكونُ في محلِّ رفعٍ أو نصبٍ على حَسَبِ ما تقدَّم من إعراب " ربي " . وفيه ما تقدَّم من الإِشكال في نظمِ الكلام مِنْ قوله " فأَخْرَجْنا " وأخواتِه من عدم جوازٍ الالتفاتِ ، وإن كان قد قال بذلك الزمخشري والحوفي . وقال ابن عطية : " إن كلامَ موسى تَمَّ عند قوله { وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً } وإنَّ قولَه " فأخرَجْنا " إلى آخره مِنْ كلام الله تعالى " وفيه بُعْدٌ .
وقرأ الكوفيون " مَهْداً " بفتح الميم وسكونِ الهاء من غير ألفٍ . والباقون " مِهاداً " بكسرِ الميم وفتح الهاء وألفٍ بعدها . وفيه وجهان : أحدهما : أنهما مصدران بمعنى واحد يقال : مَهَدْتُه مَهْداً ومِهاداً ، والثاني : أنهما مختلفان ، فالمِهادُ هو الاسمُ والمَهْد هو الفعل ، أو أنَّ مِهاداً جمعُ مَهْد نحو : فَرْخ وفِراخ وكَعْب وكِعاب . ووَصْفُ الأرضِ بالمَهْدِ : إمَّا مبالغةً ، وإمَّا على حذف مضاف أي : ذات مَهْدٍ .
قوله { شَتَّى } : " شَتَّى " فَعْلَى . وألفُه للتأنيث ، وهو جمعٌ لشَتِيْت نحو : مَرْضى في جمع مريض ، وجرحى في جمع جريح ، وقتلى في جمع قتيل . يقال : شَتَّ الأمر يَشِتُّ شَتَّاً وشَتاتاً فهو شَتٌّ أي تفرَّق . وشَتَّان اسمُ فعلٍ ماضٍ بمعنى افترق ، ولذلك لا يُكتفى بواحد .
وفي " شَتَّى " أوجهٌ ، أحدُها : أنَّها منصوبةٌ نعتاً ل " أَزْواجاً " أي : أزواجاً متفرقةً بمعنى : مختلفة الألوانِ والطُّعوم . والثاني : أنها منصوبةٌ على الحال مِنْ " أزواجاً " وجاز مجيءُ الحالِ من النكرة لتخصُّصِها بالصفةِ وهي " مِنْ نبات " . الثالث : أَنْ تنتصِبَ على الحال أيضاً مِنْ فاعل الجارِّ ؛ لأنه لَمَّا وقع وصفاً رفع ضميراً فاعِلاً . الرابع : أنَّه في محلِّ جر نعتاً ل " نبات " ، قال الزمخشري : " يجوز أن يكونَ صفةً لنبات ، ونبات مصدرٌ سُمِّيَ به النابت كما سُمِّي بالنَّبْت ، فاستوى فيه الواحدُ والجمع ، يعني أنها شَتَّى مخلتفةُ النفعِ والطعمِ واللونِ والرائحةِ والشكلِ ، بعضُها يَصْلُح للناس ، وبعضُها للبهائم " ووافقه أبو البقاء أيضاً . ولكنَ الظاهرَ الأولُ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.