فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدٗا وَسَلَكَ لَكُمۡ فِيهَا سُبُلٗا وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّن نَّبَاتٖ شَتَّىٰ} (53)

{ الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماءا فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ( 53 ) كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك للآيات لأولي النهى ( 54 ) * منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ( 55 ) ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى ( 56 ) قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ( 57 ) فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى ( 58 ) } .

{ الذي جعل لكم الأرض مهدا } أي مهدها مهدا أو ذات مهد ، وهو اسم لما يمهد كالفراش لما يفرش ، وقرئ مهادا . قال النحاس : والجمع أولى من المصدر لأن هذا الموضع ليس موضع مصدر إلا على حذف المضاف . وقيل مهاد مفرد كالفراش أو جمع معناه الفراش ؛ فالمهاد جمع المهد ، أي جعل كل موضع منها مهدا لكل واحد منكم ، وهذا من جملة كلام موسى في جواب فرعون عن سؤاله الأول فهو مرتبط بقوله ثم هدى ، لكنه ذكر في خلال كلامه على سبيل الاعتراض على سؤال فرعون الثاني وجوابه .

{ وسلك لكم فيها سبلا } السلك إدخال الشيء في الشيء ، والمعنى أدخل في الأرض لأجلكم طرقا تسلكونها وسهلها لكم ، ووسّطها بين الجبال والأودية والبراري تسلكونها من قطر إلى قطر لتقضوا منها مأربكم وتنتفعوا بمنافعها ومرافقها . وفي آية أخرى { الذي جعل لكم الأرض مهدا ، وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون } .

ثم قال سبحانه تتميما لما وصفه به موسى { وأنزل من السماء ماءا } هو ماء المطر . قيل إلى هنا انتهى كلام موسى ، وما بعده وهو { فأخرجنا به } من كلام الله سبحانه . قاله ابن عطية وتبعه المحلي وفيه بعد . وقيل : هو من الكلام المحكي عن موسى ، وإنما التفت إلى التكلم للتنبيه على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة والحكمة وإيذانا بأنه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لمشيئته ، ونوقش بأن هذا خلاف الظاهر مع استلزامه فوت الالتفاف لعدم اتحاد المتكلم ، ويجاب عنه بأن الكلام كله محكي عن واحد وهو موسى ، والحاكي للجميع هو الله سبحانه . والمعنى فأخرجنا بذلك الماء بسبب الحرث والمعالجة .

{ أزواجا من نبات شتى } إي ضروبا وأشباها من أصناف النبات المختلفة الألوان والطعوم والروائح والمنافع ، فمنها ما هو للناس ، ومنها ما هو للدواب ، سميت بذلك لازدواجها ، واقتران بعضها ببعض .

والنبات مصدر سمي به النابت ، فاستوى فيه الواحد والجمع ، وشتى جمع شتيت وزنه فعلى وألفه للتأنيث وزنه فعلى وألفه للتأنيث .

وقال الأخفش : التقدير أزواجا شتى من نبات ، يقال أمر شت ، أي متفرق وشت الأمر شتا يشت شتا وشتاتا تفرق واشتت مثله ، والشتيت المتفرق ، وشتّ

. ان اسم فعل ماض بمعنى افترق ، ولذلك لا يكتفي بواحد ، قاله السمين ، قال ابن عباس : شيء مختلف .