فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدٗا وَسَلَكَ لَكُمۡ فِيهَا سُبُلٗا وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّن نَّبَاتٖ شَتَّىٰ} (53)

{ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مهادا } الموصول محل رفع على أنه صفة لربي متضمنة لزيادة البيان ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أو في محل نصب على المدح . قرأ الكوفيون { مهداً } على أنه مصدر لفعل مقدّر ، أي مهدها مهداً ، أو على تقدير مضاف محذوف ، أي ذات مهد ، وهو اسم لما يمهد كالفراش لما يفرش . وقرأ الباقون : { مهاداً } واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم قالا : لاتفاقهم على قراءة : { أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا } [ النبأ : 6 ] . قال النحاس : والجمع أولى من المصدر ؛ لأن هذا الموضع ليس وضع المصدر إلا على حذف المضاف . قيل : يجوز أن يكون مهاداً مفرداً كالفراش ، ويجوز أن يكون جمعاً . ومعنى المهاد : الفراش ، فالمهاد جمع المهد ، أي جعل كل موضع منها مهداً لكل واحد منكم . { وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } السلك : إدخال الشيء في الشيء . والمعنى : أدخل في الأرض لأجلكم طرقاً تسلكونها وسهلها لكم . وفي الآية الأخرى : { الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مهادا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [ الزخرف : 10 ] . ثم قال سبحانه ممتناً على عباده : { وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاء } هو ماء المطر . قيل : إلى هنا انتهى كلام موسى ، وما بعده هو : { فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً من نبات شتى } من كلام الله سبحانه . وقيل : هو من الكلام المحكيّ عن موسى معطوف على أنزل ، وإنما التفت إلى التكلم للتنبيه إلى ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة . ونوقش بأن هذا خلاف الظاهر مع استلزامه فوت الالتفات لعدم اتحاد المتكلم ، ويجاب عنه : بأن الكلام كله محكيّ عن واحد هو موسى ، والحاكي للجميع هو الله سبحانه والمعنى : فأخرجنا بذلك الماء بسبب الحرث والمعالجة أزواجاً ، أي ضروباً وأشباهاً من أصناف النبات المختلفة . وقوله { من نبات } صفة ل{ أزواجاً } أو بيان له ، وكذا { شتى } صفة أخرى له ، أي متفرّقة جمع شتيت . وقال الأخفش : التقدير : أزواجاً شتى من نبات . قال : وقد يكون النبات شتى ، فيجوز أن يكون شتى { نعتاً } ل{ أزواجاً } ويجوز أن يكون نعتاً للنبات ، يقال : أمر شَتٌّ أي متفرّق ، وشتّ الأمر شتاً وشتاتاً تفرّق ، واشتتّ مثله ، والشتيت المتفرّق . قال رؤبة :

جاءت معاً وأطرقتْ شتيتاً *** . . .

/خ59