تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَمَقۡتٗا وَسَآءَ سَبِيلًا} (22)

ثم قال تعالى : { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا }

أي : لا تتزوجوا من النساء ما تزوجهن آباؤكم أي : الأب وإن علا . { إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } أي : أمرا قبيحا يفحش ويعظم قبحه { وَمَقْتًا } من الله لكم ومن الخلق بل يمقت بسبب ذلك الابن أباه والأب ابنه ، مع الأمر ببره .

{ وَسَاءَ سَبِيلًا } أي : بئس الطريق طريقا لمن سلكه لأن هذا من عوائد الجاهلية ، التي جاء الإسلام بالتنزه عنها والبراءة منها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَمَقۡتٗا وَسَآءَ سَبِيلًا} (22)

وفي نهاية هذه الفقرة يحرم تحريما باتا - مع التفظيع والتبشيع - أن ينكح الأبناء ما نكح آباؤهم من النساء . وقد كان ذلك في الجاهلية حلالا . وكان سببا من أسباب عضل النساء أحيانا ، حتى يكبر الصبي فيتزوج امرأة أبيه ، أو إن كان كبيرا تزوجها بالوراثة كما يورث الشيء ! فجاء الإسلام يحرم هذا الأمر أشد التحريم :

( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء - إلا ما قد سلف - إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ) . .

ويبدو لنا من حكمة هذا التحريم ثلاثة اعتبارات - وإن كنا نحن البشر لا نحيط بكل حكمة التشريع ، ولا يتوقف خضوعنا له ، وتسليمنا به ، ورضاؤنا إياه على إدراكنا أو عدم إدراكنا لهذه الحكمة ، فحسبنا أن الله قد شرعه ، لنستيقن أن وراءه حكمة ، وأن فيه المصلحة .

نقول : يبدو لنا من حكمة هذا التحريم ثلاثة اعتبارات : الأول أن امرأة الأب في مكان الأم . والثاني : ألا يخلف الابن أباه ؛ فيصبح في خياله ندا له . وكثيرا ما يكره الزوج زوج امرأته الأول فطرة وطبعا ، فيكره أباه ويمقته ! والثالث : ألا تكون هناك شبهة الإرث لزوجة الأب . الأمر الذي كان سائدا في الجاهلية . وهو معنى كريه يهبط بإنسانية المرأة والرجل سواء . وهما من نفس واحد ، ومهانة أحدهما مهانة للآخر بلا مراء .

لهذه الاعتبارات الظاهرة - ولغيرها مما يكون لم يتبين لنا - جعل هذا العمل شنيعا غاية الشناعة . . جعله فاحشة . وجعله مقتا : أي بغضا وكراهية . وجعله سبيلا سيئا . . إلا ما كان قد سلف منه في الجاهلية ، قبل أن يرد في الإسلام تحريمه . فهو معفو عنه . متروك أمره لله سبحانه . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَمَقۡتٗا وَسَآءَ سَبِيلًا} (22)

هذه الآية مخاطبة للمؤمنين من العرب في مدة نزول الآية ومعنى الآية : والتحريم الذي بعدها مستقر على المؤمنين أجمع ، وسبب الآية : أن العرب كان منهم قبائل قد اعتادت أن يخلف الرجل على امرأة ابيه ، على ما ذكرناه من أمر أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس ، ومن ذلك خبر أبي قيس بن الأسلت ، ومن ذلك صفوان بن أمية بن خلف ، تزوج بعد أبيه فاختة بنت الأسود بن المطلب بن أسد ، وكانت امرأة أبيه قتل عنها ، ومن ذلك منظور بن زيان ، خلف على مليكة بنت خارجة ، وكانت عند أبيه زيان بن سيار ، إلى كثير من هذا ، وقد كان في العرب من تزوج ابنته ، وهو حاجب بن زرارة ، تمجس وفعل هذه الفعلة ، ذكر ذلك النضر بن شميل في كتاب المثالب : فنهى الله المؤمنين عما كان عليه آباؤهم من هذه السير ، وقال ابن عباس : كان أهل الجاهلية يحرمون ما يحرم ، إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين ، فنزلت هذه الآية في ذلك واختلف المتأولون في مقتضى ألفاظ الآية ، فقالت فرقة : قوله : { ما نكح } يراد به النساء . أي لا تنكحوا النساء اللواتي نكح آباؤكم ، وقوله : { إلا ما قد سلف } معناه : لكن ما قد سلف فدعوه ، وقال بعضهم المعنى لكن ما قد سلف فهو معفو عنكم لمن كان واقعه ، فكأنه قال تعالى ولا تفعلوا حاشا ما قد سلف ، ف { ما } على هذا القول واقعة على من يعقل من حيث هؤلاء النساء صنف من أصناف من يعقل ، وما تقع للأصناف والأوصاف ممن يعقل ، وقالت فرقة : قوله : { ما نكح } يراد به فعل الآباء ، أي لا تنكحوا كما نكح آباؤكم من عقودهم الفاسدة ، وقوله : { إلا ما قد سلف } معناه إلا ما تقدم منكم ووقع من تلك العقود الفاسدة فمباحة لكم الإقامة عليه في الإسلام ، إذا كان مما يقرر الإسلام عليه من جهة القرابة ، ويجوزه الشرع أن لو ابتدىء نكاحه في الإسلام على سنته ، وقيل : معنى { إلا ما قد سلف } أي فهو معفو عنكم .

قال القاضي أبو محمد : و { ما } على هذا مصدرية ، وفي قراءة أبيّ بن كعب «إلا ما قد سلف إلا من تاب » .

قال القاضي أبو محمد : وكذلك حكاه أبو عمرو الداني ، وقال ابن زيد : معنى الآية : النهي عن أن يطأ الرجل امرأة وطئها الآباء ، «إلا ما قد سلف » من الآباء في الجاهلية من الزنا ، لا على وجه المناكحة ، فذلك جائز لكم زواجهم في الإسلام ، لأن ذلك الزنا كان فاحشة ومقتاً ، قال ابن زيد : فزاد في هذه الآية المقت ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في تأويل هذه الآية : كل امرأة تزوجها أبوك أو ابنك دخل أو لم يدخل ، فهي عليك حرام و { كان } في هذه الآية : كل امرأة تزوجها أبوك أبو ابنك دخل أو لم وذلك خطأ يرد عليه وجود الخبر منصوباً ، والمقت : البغض والاحتقار بسبب رذيلة يفعلها الممقوت ، فسمى تعالى هذا النكاح { مقتاً } إذ هو ذا مقت يلحق فاعله ، وقال أبو عبيدة وغيره : كانت العرب تسمي الولد الذي يجيء من زوج الوالد المقتي ، وقوله : { وساء سبيلاً } أي بئس الطريق والمنهج لمن يسلكه ، إذ عاقبته إلى عذاب الله .