تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4)

{ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ } رقبة يعتقها ، بأن لم يجدها أو [ لم ] يجد ثمنها { ف } عليه { صيام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ } الصيام { فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } إما بأن يطعمهم من قوت بلده ما يكفيهم ، كما هو قول كثير من المفسرين ، وإما بأن يطعم كل مسكين مُدَّ بُرٍّ أو نصف صاع من غيره مما يجزي في الفطرة ، كما هو قول طائفة أخرى .

ذلك الحكم الذي بيناه لكم ، ووضحناه لكم { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ } وذلك بالتزام هذا الحكم وغيره من الأحكام ، والعمل به ، فإن التزام أحكام الله ، والعمل بها من الإيمان ، [ بل هي المقصودة ] ومما يزيد به الإيمان{[1006]}  ويكمل وينمو .

{ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } التي تمنع من الوقوع فيها ، فيجب أن لا تتعدى ولا يقصر عنها .

{ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وفي هذه الآيات ، عدة أحكام :

منها : لطف الله بعباده واعتناؤه بهم ، حيث ذكر شكوى هذه المرأة المصابة ، وأزالها ورفع عنها البلوى ، بل رفع البلوى بحكمه العام لكل من ابتلي بمثل هذه القضية .

ومنها : أن الظهار مختص بتحريم الزوجة ، لأن الله قال { مِنْ نِسَائِهِمْ } فلو حرم أمته ، لم يكن [ ذلك ] ظهارا ، بل هو من جنس تحريم الطعام والشراب ، تجب فيه كفارة اليمين فقط .

ومنها : أنه لا يصلح الظهار من امرأة قبل أن يتزوجها ، لأنها لا تدخل في نسائه وقت الظهار ، كما لا يصح طلاقها ، سواء نجز ذلك أو علقه .

ومنها : أن الظهار محرم ، لأن الله سماه منكرا [ من القول ] وزورا .

ومنها : تنبيه الله على وجه الحكم وحكمته ، لأن الله تعالى قال : { مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } .

ومنها : أنه يكره للرجل أن ينادي زوجته ويسميها{[1007]}  باسم محارمه ، كقوله { يا أمي } { يا أختي } ونحوه ، لأن ذلك يشبه المحرم .

ومنها : أن الكفارة إنما تجب بالعود لما قال المظاهر ، على اختلاف القولين السابقين لا بمجرد الظهار .

ومنها : أنه يجزئ في كفارة الرقبة ، الصغير والكبير ، والذكر والأنثى ، لإطلاق الآية في ذلك .

ومنها : أنه يجب إخراجها{[1008]} إن  كانت عتقا أو صياما قبل المسيس ، كما قيده الله ، بخلاف كفارة الإطعام ، فإنه يجوز المسيس والوطء في أثنائها .

ومنها : أنه لعل الحكمة في وجوب الكفارة قبل المسيس ، أن ذلك أدعى لإخراجها ، فإنه إذا اشتاق إلى الجماع ، وعلم أنه لا يمكن من ذلك إلا بعد الكفارة ، بادر لإخراجها .

ومنها : أنه لا بد من إطعام ستين مسكينا ، فلو جمع طعام ستين مسكينا ، ودفعها لواحد أو أكثر من ذلك ، دون الستين لم يجز ذلك ، لأن الله قال : { فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } .


[1006]:- في ب: ويزداد به الإيمان.
[1007]:- في ب: ويدعوها
[1008]:- في ب: إذا.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4)

1

ثم يتابع بيان الحكم فيه :

فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا . فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ) . . .

ثم التعقيب للبيان والتوجيه :

( ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله ) . . . وهم مؤمنون . . ولكن هذا البيان ، وهذه الكفارات وما فيها من ربط أحوالهم بأمر الله وقضائه . . ذلك مما يحقق الإيمان ، ويربط به الحياة ؛ ويجعل له سلطانا بارزا في واقع الحياة . ( وتلك حدود الله ) . . أقامها ليقف الناس عندها لا يتعدونها . وهو يغضب على من لا يرعاها ولا يتحرج دونها : ( وللكافرين عذاب أليم ) . . بتعديهم وتحديهم وعدم إيمانهم وعدم وقوفهم عند حدود الله كالمؤمنين . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4)

واختلف الناس في قوله تعالى : { من قبل أن يتماسا } فقال الحسن والثوري وجماعة من قبل الوطء ، وجعلت المسيس هاهنا الوطء ، فأباحت للمظاهر التقبيل والمضاجعة والاستمتاع بأعلى المرأة كالحائض . وقال جمهور أهل العلم قوله : { من قبل أن يتماسا } عام في نوع المسيس الوطء والمباشرة ، فلا يجوز لمظاهر أن يطأ ولا يقبل ولا يلمس بيده ، ولا يفعل شيئاً من هذا النوع إلا بعد الكفارة ، وهذا قول مالك رحمه الله .

وقوله تعالى : { ذلك } إشارة إلى التحرير أي فعل عظة لكم لتنتهوا عن الظهار ، والتتابع في الشهرين صيامهما ولا بين أيامهما ، وجائز أن يصومهما الرجل بالعدد ، فيصوم ستين يوماً تباعاً ، وجائز أن يصومهما بالأهلة ، يبدأ مع الهلال ويفطر مع الهلال ، وإن جاء أحد شهريه ناقصاً ، وذلك مجزئ عنه ، وجائز إن بدأ صومه في وسط الشهر أن يبعض الشهر الأول فيصوم إلى الهلال ثم يصوم شهراً بالهلال ثم يتم الشهر الأول بالعدد .

ولا خلاف أحفظه من أهل العلم أن الصائم في الظهار إن أفسد التتابع باختياره أنه يبتدأ صومها . واختلف الناس إذا أفسده لعذر غالب : كالمرض والنسيان ونحوه ، فقال أصحاب الرأي والشافعي في أحد قوليه والنخعي وابن جبير والحكم بن عيينة والثوري : يبتدئ ، وقال مالك والشافعي وغيره : يبني . وأجمعوا على الحائض وأنها تبني في صومها التتابع .

وإطعام المساكين في الظهار هو بالمد الهاشمي عند مالك ، وهو مد وثلث بمد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل مدان غير ثلث . وروى عنه ابن وهب أنه يطعم كل مسكين مدين بمد النبي عليه السلام وفي العلماء من يرى إطعام الظهار مداً بمد النبي عليه السلام ، ولا يجزئ في إطعام الظهار إلا إكمال عدد المساكين ، ولا يجوز أن يطعم ثلاثين مرتين ولا ما أشبهه ، والطعام عو غالب قوت البلد . قال مالك رحمه الله وعطاء وغيره : إطعام المساكين أيضاً هو قبل التماس حملاً على العتق والصوم . وقال أبو حنيفة وجمهور من أهل العلم : لم ينص الله على الشرط هنا ، فنحن نلتزمه ، فجاز للمظاهر إذا كان من أهل الإطعام أن يطأ قبل الكفارة ويستمتع .

وقوله : { ذلك لتؤمنوا } إشارة إلى الرخصة والتسهيل في النقل من التحرير إلى الصوم ، والإطعام ثم شدد تعالى بقوله : { تلك حدود الله } أي فالتزموها وقفوا عندها ، ثم توعد الكافرين بهذا الحديث والحكم الشرعي .