تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ بِضَنِينٖ} (24)

{ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ } أي : وما هو على ما أوحاه الله إليه بمتهم يزيد فيه أو ينقص أو يكتم بعضه ، بل هو صلى الله عليه وسلم أمين أهل السماء وأهل الأرض ، الذي بلغ رسالات ربه البلاغ المبين ، فلم يشح بشيء منه ، عن غني ولا فقير ، ولا رئيس ولا مرءوس ، ولا ذكر ولا أنثى ، ولا حضري ولا بدوي ، ولذلك بعثه الله في أمة أمية ، جاهلة جهلاء ، فلم يمت صلى الله عليه وسلم حتى كانوا علماء ربانيين ، وأحبارا متفرسين ، إليهم الغاية في العلوم ، وإليهم المنتهى في استخراج الدقائق والفهوم ، وهم الأساتذة ، وغيرهم قصاراه أن يكون من تلاميذهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ بِضَنِينٖ} (24)

فهذه صفة الرسول الذي حمل القول وأداه ، فأما الرسول الذي حمله إليكم فهو( صاحبكم ) . . عرفتموه حق المعرفة عمرا طويلا . فما لكم حين جاءكم بالحق تقولون فيه ما تقولون . وتذهبون في أمره المذاهب ، وهو( صاحبكم )الذي لا تجهلون . وهو الأمين على الغيب الذي يحدثكم عنه عن يقين :

( وما صاحبكم بمجنون . ولقد رآه بالأفق المبين . وما هو على الغيب بضنين . وما هو بقول شيطان رجيم . فأين تذهبون ? إن هو إلا ذكر للعالمين ) . .

ولقد قالوا عن النبي الكريم الذي يعرفونه حق المعرفة ، ويعرفون رجاحة عقله ، وصدقه وأمانته وتثبته ، قالوا عنه : إنه مجنون .

وإن شيطانا يتنزل عليه بما يقول . قال بعضهم هذا كيدا له ولدعوته كما وردت بذلك الأخبار . وقاله بعضهم عجبا ودهشة من هذا القول الذي لا يقوله البشر فيما يألفون ويعهدون . وتمشيا مع ظنهم أن لكل شاعر شيطانا يأتيه بالقول الفريد . وأن لكل كاهن شيطانا يأتيه بالغيب البعيد . وأن الشيطان يمس بعض الناس فينطق على لسانهم بالقول الغريب ! وتركوا التعليل الوحيد الصادق ، وهو أنه وحي وتنزيل من رب العالمين .

فجاء القرآن يحدثهم في هذا المقطع من السورة عن جمال الكون البديع ، وحيوية مشاهده الجميلة . ليوحي إلى قلوبهم بأن القرآن صادر عن تلك القدرة المبدعة ، التي أنشأت ذلك الجمال . على غير مثال . وليحدثهم بصفة الرسول الذي حمله ، والرسول الذي بلغه . وهو صاحبهم الذي عرفوه . غير مجنون . والذي رأى الرسول الكريم - جبريل - حق الرؤية ، بالأفق المبين الواضح الذي تتم فيه الرؤية عن يقين . وأنه [ صلى الله عليه وسلم ] لمؤتمن على الغيب ، لا تظن به الظنون في خبره الذي يرويه عنه ، فما عرفوا عنه إلا الصدق واليقين . ( وما هو بقول شيطان رجيم )فالشياطين لا توحي بهذا النهج القويم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ بِضَنِينٖ} (24)

وقوله تعالى { وما هو على الغيب بضنين } بالضاد بمعنى : بخيل أي يشح به ، ولا يبلغ ما قيل له ، ويبخل كما يفعل الكاهن حتى يعطى حلوانه{[11667]} ، وبالضاد هي خطوط المصاحف كلها ، فيما قاله الطبري وهي قراءة نافع وعاصم وابن عامر وحمزة وعثمان بن عفان وابن عباس والحسن وأبي رجاء والأعرج وأبي جعفر وشيبة وجماعة وافرة .

وقرأ ابن كثير وعمرو والكسائي وابن مسعود وابن عباس وزيد بن ثابت وابن عمر وابن الزبير وعائشة وعمر بن عبد العزيز وابن جبير وعروة بن الزبير ومسلم وابن جندب ومجاهد وغيرهم : «بظنين » ، بالظاء أي بمتهم ، وهذا في المعنى نظير وصفه ب { آمين } ، وقيل معناه : بضعف القوة عن التبليغ من قولهم : بئر ظنون{[11668]} إذا كانت قليلة الماء ، ورجح أبو عبيد قراءة : الظاء مشالة لأن قريشاً لم تبخل محمداً صلى الله عليه وسلم فيما يأتي به وإما كذبته ، فقيل ما هو بمتهم


[11667]:الحلوان: أجرة الدلال والرشوة.
[11668]:جاء في اللسان: "بئر ظنون، قليلة الماء لا يوثق بمائها... وفي الحديث: فنزل على ثمد بوادي الحديبية ظنون الماء".