تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلۡمَآءَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡجُرُزِ فَنُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا تَأۡكُلُ مِنۡهُ أَنۡعَٰمُهُمۡ وَأَنفُسُهُمۡۚ أَفَلَا يُبۡصِرُونَ} (27)

{ أَوَلَمْ يَرَوْا } بأبصارهم نعمتنا ، وكمال حكمتنا { أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ } التي لا نبات فيها ، فيسوق اللّه المطر ، الذي لم يكن قبل موجودًا فيها ، فيفرغه فيها ، من السحاب ، أو من الأنهار . { فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا } أي : نباتًا ، مختلف الأنواع { تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ } وهو نبات البهائم { وَأَنْفُسهمْ } وهو طعام الآدميين .

{ أَفَلَا يُبْصِرُونَ } تلك المنة ، التي أحيا اللّه بها البلاد والعباد ، فيستبصرون فيهتدون بذلك البصر ، وتلك البصيرة ، إلى الصراط المستقيم ، ولكن غلب عليهم العمى ، واستولت عليهم الغفلة ، فلم يبصروا في ذلك ، بصر الرجال ، وإنما نظروا إلى ذلك ، نظر الغفلة ، ومجرد العادة ، فلم يوفقوا للخير .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلۡمَآءَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡجُرُزِ فَنُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا تَأۡكُلُ مِنۡهُ أَنۡعَٰمُهُمۡ وَأَنفُسُهُمۡۚ أَفَلَا يُبۡصِرُونَ} (27)

وبعد لمسة البلى والدثور ، وما توقعه في الحس من رهبة وروعة ، وما تثيره في القلب من رجفة ورعشة . يلمس قلوبهم بريشة الحياة النابضة في الموات ؛ ويجول بهم جولة في الأرض الميتة تدب فيها الحياة ، كما جال بهم من قبل في الأرض التي كانت حية فأدركها البلى والممات :

أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز ، فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون ? .

فهذه الأرض الميتة البور ، يرون أن يد الله تسوق إليها الماء المحيي ؛ فإذا هي خضراء ممرعة بالزرع النابض بالحياة . الزرع الذي تأكل منه أنعامهم وتأكل منه أنفسهم . وإن مشهد الأرض الجدبة والحيا يصيبها فإذا هي خضراء . . إن هذا المشهد ليفتح نوافذ القلب المغلقة لاستجلاء هذه الحياة النامية واستقبالها ؛ والشعور بحلاوة الحياة ونداوتها ؛ والإحساس بواهب هذه الحياة الجميلة الناضرة ؛ إحساس حب وقربى وانعطاف ؛ مع الشعور بالقدرة المبدعة واليد الصناع ، التي تشيع الحياة والجمال في صفحات الوجود .

وهكذا يطوف القرآن بالقلب البشري في مجالي الحياة والنماء ، بعدما طوف به في مجالي البلى والدثور ، لاستجاشة مشاعره هنا وهناك ، وإيقاظه من بلادة الألفة ، وهمود العادة ؛ ولرفع الحواجز بينه وبين مشاهد الوجود ، وأسرار الحياة ، وعبر الأحداث ، وشواهد التاريخ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلۡمَآءَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡجُرُزِ فَنُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا تَأۡكُلُ مِنۡهُ أَنۡعَٰمُهُمۡ وَأَنفُسُهُمۡۚ أَفَلَا يُبۡصِرُونَ} (27)

{ أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز } التي جرز نباتها أي قطع وأزيل لا التي لا تنبت لقوله : { فنخرج به زرعا } وقيل اسم موضع باليمن . { تأكل منه } من الزرع . { أنعامهم } كالتين والورق . { وأنفسهم } كالحب والثمر . { أفلا يبصرون } فيستدلون به على كمال قدرته وفضله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلۡمَآءَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡجُرُزِ فَنُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا تَأۡكُلُ مِنۡهُ أَنۡعَٰمُهُمۡ وَأَنفُسُهُمۡۚ أَفَلَا يُبۡصِرُونَ} (27)

عطف على ( أو لم يهد لهم ) . ونيط الاستدلال هنا بالرؤية لأن إحياء الأرض بعد موتها ثم إخراج النبت منها دلالة مشاهدة . واختير المضارع في قوله ( نسوق ) لاستحضار الصورة العجيبة الدالة على القدرة الباهرة .

والسوق : إزجاء الماشي من ورائه

والماء : ماء المزن وسوقه إلى الأرض هو سوق السحاب الحاملة إياه بالرياح التي تنقل السحاب من جو إلى جو ؛ فشبهت هيئة الرياح والسحاب بهيئة السائق للدابة . والتعريف في ( الأرض ) تعريف الجنس

والجرز : اسم للأرض التي انقطع نبتها وهو مشتق من الجرز وهو : انقطاع النبت والحشيش إما بسبب يبس الأرض أو بالرعي والجرز : القطع . وسمي السيف القاطع جرازا قال الراجز يصف أسنان ناقة :

تنحي على الشوك جرازا مقضبا *** والهرم تذريه إذدراء عجبا

فالأرض الجرز : التي انقطع نبتها . ولا يقال للأرض التي لا تنبت كالسباخ جرز . والزرع : ما نبت بسبب بذر حبوبه في الأرض كالشعير والبر والفصفصة وأكل الأنعام غالبه من الكلأ لا من الزرع فذكر الزرع بلفظه ثم ذكر أكل الأنعام يدل على تقدير : وكلأ . ففي الكلام اكتفاء . والتقدير : ونخرج به زرعا وكلأ تأكل منه أنعامهم وأنفسهم . والمقصود : الاستدلال على البعث وتقريبه وإمكانه بإخراج النبت من الأرض بعد أن زال ؛ فوجه الأول . وأدمج في هذا الاستدلال امتنان بقوله { تأكل منه أنعامهم وأنفسهم } .

ثم فرع عليه استفهام تقريري بجملة ( أفلا يبصرون ) . وتقدم بيان مثله آنفا في قوله ( أفلا يسمعون ) . ونيط الحكم بالإبصار هنا دلالة إحياء الأرض بعد موتها دلالة مشاهدة .