ولقد كان فيما تلكأوا كفاية ، ولكنهم يمضون في طريقهم ، يعقدون الأمور ، ويشددون على أنفسهم ، فيشدد الله عليهم . لقد عادوا مرة أخرى يسألون من الماهية :
( قالوا : ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ) .
ويعتذرون عن هذا السؤال وعن ذلك التلكؤ بأن الأمر مشكل :
وكأنما استشعروا لحاجتهم هذه المرة . فهم يقولون :
{ قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي } تكرير للسؤال الأول واستكشاف زائد . وقوله : { إن البقر تشابه علينا } اعتذار عنه ، أي إن البقر الموصوف بالتعوين والصفرة كثير فاشتبه علينا ، وقرئ " إن الباقر " وهو اسم لجماعة البقر والأباقر والبواقر ، ويتشابه وتتشابه بالياء والتاء ، وتشابه ويشابه ويتشابه بطرح التاء وإدغامها في الشين على التذكير والتأنيث ، وتشابهت وتشابهت مخففا ومشددا ، وتشبه بمعنى تتشبه وتشبه بالتذكير ومتشابه ومتشابهة ومتشبه ومتشبهة . { وإنا إن شاء الله لمهتدون } إلى المراد ذبحها ، أو إلى القاتل ، وفي الحديث " لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد " . واحتج به أصحابنا على أن الحوادث بإرادة الله سبحانه وتعالى ، وأن الأمر قد ينفك عن الإرادة وإلا لم يكن للشرط بعد الأمر معنى . والمعتزلة والكرامية على حدوث الإرادة ، وأجيب بأن التعليق باعتبار التعلق .
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ( 70 )
وسألوه بعد هذا كله عما هي سؤال متحيرين قد أحسوا بمقت المعصية ، و { البقر } جمع بقرة ، وتجمع أيضاً على باقر ، وبه قرأ ابن يعمر وعكرمة ، وتجمع على بقير وبيقور( {[778]} ) ، ولم يقرأ بهما فيما علمت ، وقرأ السبعة : «تشابه » فعل ماض ، وقرأ الحسن «تشّابهُ » بشد الشين وضم الهاء ، أصله تتشابه ، وهي قراءة يحيى بن يعمر ، فأدغم ، وقرأ أيضاً «تَشَابهُ » بتخفيف الشين على حذف التاء الثانية ، وقرأ ابن مسعود «يَشابهُ » بالياء وإدغام التاء ، وحكى المهدي عن المعيطي( {[779]} ) «تشَّبَّهُ » بتشديد الشين والباء دون ألف ، وحكى أبو عمرو الداني قراءة «متشبه » اسم فاعل من تَشَبَّه ، وحكي أيضاً «يتشابهُ »( {[780]} ) .
وفي استثنائهم في هذا السؤال الأخير إنابة ما وانقياد ودليل ندم وحرص على موافقة الأمر ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لولا ما استثنوا ما اهتدوا إليها أبداً »( {[781]} ) ، والضمير في { إنا } ، هو اسم { إن } ، و { مهتدون } الخبر ، واللام للتأكيد ، والاستثناء اعتراض ، قدم على ذكر الاهتداء ، تهمماً به .
قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِىَ إِنَّ البقر تشابه عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ الله لَمُهْتَدُونَ }
القول في { ما هي } كالقول في نظيره ، فإن كان الله تعالى حكى مرادف كلامهم بلغة العرب فالجواب لهم ب { أنها بقرة لا ذلول } لما عُلم من أنه لم يبق من الصفات التي تتعلق الأغراض بها إلا الكرامة والنفاسة ، وإن كان المحكي في القرآن اختصاراً لكلامهم فالأمر ظاهر . على أن الله قد علم مرادهم فأنبأهم به .
وجملة { إن البقرة تشابه علينا } مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنهم علموا أن إعادتهم السؤال توقع في نفس موسى تساؤلاً عن سبب هذا التكرير في السؤال ، وقولهم { إن البقرة تشابه علينا } اعتذار عن إعادة السؤال ، وإنما لم يعتذروا في المرتين الأوليين واعتذروا الآن لأن للثالثة في التكرير وقعاً في النفس في التأكيد والسآمة وغير ذلك ولذلك كثر في أحوال البشر وشرائعهم التوقيت بالثلاثة .
وقد جيء بحرف التأكيد في خبر لا يشك موسى في صدقه فتعين أن يكون الإتيان بحرف التأكيد لمجرد الاهتمام ثم يتوسل بالاهتمام إلى إفادة معنى التفريع والتعليل فتفيد ( إن ) مفاد فاء التفريع والتسبب وهو ما اعتنى الشيخ عبد القاهر بالتنبيه عليه في « دلائل الإعجاز » ومثله بقول بشار :
بَكّرا صاحِبَيَّ قبْلَ الهَجير *** إن ذاك النجاحَ في التبكير
تقدم ذكرها عند قوله تعالى : { إنك أنت العليم الحكيم } [ البقرة : 32 ] في هذه السورة وذكر فيه قصة .
وقولهم : { وإنا إن شاء الله لمهتدون تنشيط لموسى ووعد له بالامتثال لينشط إلى دعاء ربه بالبيان ولتندفع عنه سآمة مراجعتهم التي ظهرت بوارقها في قوله : { فافعلوا ما تؤمرون } [ البقرة : 68 ] ولإظهار حسن المقصد من كثرة السؤال وأن ليس قصدهم الإعنات . تفادياً من غضب موسى عليهم .
والتعليق ب { إن شاء الله } للتأدب مع الله في رد الأمر إليه في طلب حصول الخير .
والقول في وجه التأكيد في { إنه يقول إنها بقرة } كالقول في نظيره الأول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.