{ قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي } ، قال أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي في ري الظمآن وجه الاشتباه عليهم ، إن كل بقرة لا تصلح عندهم أن تكون آية ، لما علموا من ناقة صالح وما كان فيها من العجائب ، فظنوا أن الحيوان لا يكون آية إلا إذا كان على ذلك الأسلوب ، وذلك لما نبؤا أنها آية ، سألوا عن ماهيتها وكيفيتها ، ولذلك لم يسألوا موسى عن ذلك ، بل سألوه أن يسأل الله لهم عن ذلك ، إذ الله تعالى هو العالم بالآيات ، وإنما سألوا عن التعيين ، وإن كان اللفظ مقتضاه الإطلاق ، لأنهم لو عملوا بمطلقه لم يحصل التقصي عن الأمر بيقين .
وقال غيره : لما لم يمكن التماثل من كل وجه ، وحصل الاشتباه ، ساغ لهم السؤال ، فأخبروا بسنها ، فوجدوا مثلها في السن كثيراً ، فسألوا عن اللون ، فأخبروا بذلك ، فلم يزل اللبس بذلك ، فسألوا عن العمل ، فأخبروا بذلك ، وعن بعض أوصافها الخاص بها ، فزال اللبس بتبيين السن واللون والعمل وبعض الأوصاف ، إذ وجود بقر كثير على هذه الأوصاف يندر ، فهذا هو السبب الذي جرأهم على تكرار السؤال : { قالوا ادعُ لنا ربك يبين لنا ما هي } ، تقدم الكلام على هذه الجملة .
{ إن البقر تشابه علينا } : هذا تعليل لتكرار هذا السؤال إلى أن الحامل على استقصاء أوصاف هذه البقرة ، وهو تشابهها علينا ، فإنه كثير من البقر يماثلها في السن واللون .
وقرأ عكرمة ويحيى بن يعمر : إن الباقر ، وقد تقدم أنه اسم جمع ، قال الشاعر :
ما لي رأيتك بعد عهدك موحشاً***
وقرأ الجمهور : تشابه ، جعلوه فعلاً ماضياً على وزن تفاعل ، مسند الضمير البقر ، على أن البقر مذكر .
وقرأ الحسن : تشابه ، بضم الهاء ، جعله مضارعاً محذوف التاء ، وماضيه تشابه ، وفيه ضمير يعود على البقر ، على أن البقر مؤنث .
وقرأ الأعرج : كذلك ، إلا أنه شدّد الشين ، جعله مضارعاً وماضيه تشابه ، أصله : تتشابه ، فأدغم ، وفيه ضمير يعود على البقر .
وروي أيضاً عن الحسن ، وقرأ محمد المعيطي ، المعروف بذي الشامة : تشبه علينا .
وقرأ مجاهد : تشبه ، جعله ماضياً على تفعل .
وقرأ ابن مسعود : يشابه ، بالياء وتشديد الشين ، جعله مضارعاً من تفاعل ، ولكنه أدغم التاء في الشين .
وقرئ : متشبه ، اسم فاعل من تشبه .
وقرأ بعضهم : يتشابه ، مضارع تشابه ، وفيه ضمير يعود على البقر .
وقرأ الأعمش : متشابه ومتشابهة .
وقرأ ابن أبي إسحاق : تشابهت ، بتشديد الشين مع كونه فعلاً ماضياً ، وبتاء التأنيث آخره .
وتوجيه هذه القراءات ظاهر ، إلا قراءة ابن أبي إسحاق تشابهت ، فقال بعض الناس : لا وجه لها .
وتبيين ما قاله : إن تشديد الشين إنما يكون بإدغام التاء فيها ، والماضي لا يكون فيه تاءان ، فتبقى إحداهما وتدغم الأخرى .
ويمكن أن توجه هذه القراءة على أن أصله : اشابهت ، والتاء هي تاء البقرة ، وأصله أن البقرة اشابهت علينا ، ويقوي ذلك لحاق تاء التأنيث في آخر الفعل ، أو اشابهت أصله : تشابهت ، فأدغمت التاء في الشين واجتلبت همزة الوصل .
فحين أدرج ابن أبي إسحاق القراءة ، صار اللفظ : أن البقرة اشابهت ، فظن السامع أن تاء البقرة هي تاء في الفعل ، إذ النطق واحد ، فتوهم أنه قرأ : تشابهت ، وهذا لا يظن بابن أبي إسحاق ، فإنه رأس في علم النحو ، وممن أخذ النحو عن أصحاب أبي الأسود الدؤلي مستنبط علم النحو .
وقد كان ابن أبي إسحاق يزري على العرب وعلى من يستشهد بكلامهم ، كالفرزدق ، إذا جاء في شعرهم ما ليس بالمشهور في كلام العرب ، فكيف يقرأ قراءة لا وجه لها ، وإن البقر تعليل للسؤال ، كما تقول : أكرم زيداً إنه عالم ، فالحامل لهم على السؤال هو حصول تشابه البقر عليهم .
{ وإنا إن شاء الله لمهتدون } : أي لمهتدون إلى عين البقرة المأمور بذبحها ، أو إلى ما خفي من أمر القاتل ، أو إلى الحكمة التي من أجلها أمرنا بذبح البقرة .
وفي تعليق هدايتهم بمشيئة الله إنابة وانقياد ودلالة على ندمهم على ترك موافقة الأمر .
وقد جاء في الحديث : « ولو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد » .
وجواب هذا الشرط محذوف يدل عليه مضمون الجملة ، أي إن شاء الله اهتدينا ، وإذ حذف الجواب كان فعل الشرط ماضياً في اللفظ ومنفياً بلم ، وقياس الشرط الذي حذف جوابه أن يتأخر عن الدليل على الجواب ، فكان الترتيب أن يقال في الكلام : إن زيداً لقائم إن شاء الله ، أي : إن شاء الله فهو قائم ، لكنه توسط هنا بين اسم إن وخبرها ، ليحصل توافق رؤوس الآي ، وللاهتمام بتعليق الهداية بمشيئة الله ، وجاء خبر إن اسماً ، لأنه أدل على الثبوت وعلى أن الهداية حاصلة لهم ، وأكد بحر في التأكيد إن واللام ، ولم يأتوا بهذا الشرط إلا على سبيل الأدب مع الله تعالى ، إذ أخبروا بثبوت الهداية لهم .
وأكدوا تلك النسبة ، ولو كان تعليقاً محضاً لما احتيج إلى تأكيد ، ولكنه على قول القائل : أنا صانع كذا إن شاء الله ، وهو متلبس بالصنع ، فذكر إن شاء الله على طريق الأدب .
قال الماتريدي : إن قوم موسى ، مع غلظ أفهامهم وقلة عقولهم ، كانوا أعرف بالله وأكمل توحيداً من المعتزلة ، لأنهم قالوا : { وإنا إن شاء الله لمهتدون } ، والمعتزلة يقولون : قد شاء الله أن يهتدوا ، وهم شاؤوا أن لا يهتدوا ، فغلبت مشيئتهم مشيئة الله تعالى ، حيث كان الأمر على : ما شاؤوا إلا كما شاء الله تعالى ، فتكون الآية حجة لنا على المعتزلة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.