المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهۡتَدُونَ} (70)

قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ( 70 )

وسألوه بعد هذا كله عما هي سؤال متحيرين قد أحسوا بمقت المعصية ، و { البقر } جمع بقرة ، وتجمع أيضاً على باقر ، وبه قرأ ابن يعمر وعكرمة ، وتجمع على بقير وبيقور( {[778]} ) ، ولم يقرأ بهما فيما علمت ، وقرأ السبعة : «تشابه » فعل ماض ، وقرأ الحسن «تشّابهُ » بشد الشين وضم الهاء ، أصله تتشابه ، وهي قراءة يحيى بن يعمر ، فأدغم ، وقرأ أيضاً «تَشَابهُ » بتخفيف الشين على حذف التاء الثانية ، وقرأ ابن مسعود «يَشابهُ » بالياء وإدغام التاء ، وحكى المهدي عن المعيطي( {[779]} ) «تشَّبَّهُ » بتشديد الشين والباء دون ألف ، وحكى أبو عمرو الداني قراءة «متشبه » اسم فاعل من تَشَبَّه ، وحكي أيضاً «يتشابهُ »( {[780]} ) .

وفي استثنائهم في هذا السؤال الأخير إنابة ما وانقياد ودليل ندم وحرص على موافقة الأمر ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لولا ما استثنوا ما اهتدوا إليها أبداً »( {[781]} ) ، والضمير في { إنا } ، هو اسم { إن } ، و { مهتدون } الخبر ، واللام للتأكيد ، والاستثناء اعتراض ، قدم على ذكر الاهتداء ، تهمماً به .


[778]:- الذي في "لسان العرب" أن هذه الألفاظ المذكورة كلها أسماء للجمع، والبقر يذكر ويؤنث.
[779]:- هو محمد المعيطي الشامي المعروف بذي الشامة، وردت عنه الرواية في حروف القرآن – روى هارون بن موسى، عن أبي نوح، عنه أنه كان يقرأ: "إن الباقر يشابه علينا"، بألف بين الباء والقاف، وتشديد الشين، ورفع الهاء.
[780]:- مجموع ما ذكره من القراءات سبع بقراءة السبعة، ولا ينبغي أن يقر إلا بما وردت به رواية صحيحة، فإن القراءة سنة متبعة.
[781]:- رواه ابن جرير من طريق ابن جريج مرفوعا، وقد روي هذا الحديث بألفاظ والمعنى واحد، وقوله: "لولا ما استثنوا" أي لو لم يقولوا إن شاء الله لما تبينت لهم أبدا.