تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ لَوۡ أَنَّ لِي بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِيٓ إِلَىٰ رُكۡنٖ شَدِيدٖ} (80)

فاشتد قلق لوط عليه الصلاة والسلام ، و { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ } كقبيلة مانعة ، لمنعتكم .

وهذا بحسب الأسباب المحسوسة ، وإلا فإنه يأوي إلى أقوى الأركان وهو الله ، الذي لا يقوم لقوته أحد ، ولهذا لما بلغ الأمر منتهاه واشتد الكرب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ لَوۡ أَنَّ لِي بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِيٓ إِلَىٰ رُكۡنٖ شَدِيدٖ} (80)

69

وأسقط في يد لوط ، وأحس ضعفه وهو غريب بين القوم ، نازح إليهم من بعيد ، لا عشيرة له تحميه ، وليس له من قوة في هذا اليوم العصيب ؛ وانفرجت شفتاه عن كلمة حزينة أليمة :

( قال : لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ! ) . .

قالها وهو يوجه كلامه إلى هؤلاء الفتية - الذين جاء الملائكة في صورتهم - وهم صغار صباح الوجوه ؛ ولكنهم - في نظره - ليسوا بأهل بأس ولا قوة . فالتفت إليهم يتمنى أن لو كانوا أهل قوة فيجد بهم قوة . أو لو كان له ركن شديد يحتمي به من ذلك التهديد !

وغاب عن لوط في كربته وشدته أنه يأوي إلى ركن شديد . ركن الله الذي لا يتخلى عن أوليائه . كما قال رسول الله [ ص ] وهو يتلو هذه الآية : " رحمة الله على لوط لقد كان يأوي إلى ركن شديد " !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ لَوۡ أَنَّ لِي بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِيٓ إِلَىٰ رُكۡنٖ شَدِيدٖ} (80)

يقول تعالى مخبرًا عن نبيه لوط ، عليه السلام : إن لوطا توعدهم بقوله{[14793]} : { لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً [ أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ] } {[14794]} أي : لكنت نكلت بكم وفعلت بكم الأفاعيل [ من العذاب والنقمة وإحلال البأس بكم ]{[14795]} بنفسي وعشيرتي ، ولهذا ورد في الحديث ، من طريق محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رحمة الله على لوط ، لقد كان يأوي إلى ركن شديد - يعني : الله عز وجل - فما بعث الله بعده من نبي إلا في ثروة من قومه " {[14796]} .

[ وروي من حديث الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعًا ومن حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به ، ومن حديث ابن لهيعة عن أبي يونس سمع أبا هريرة به وأرسله الحسن وقتادة ]{[14797]} . فعند ذلك أخبرته الملائكة أنهم{[14798]} رُسل الله إليه ، و[ وبشروه ]{[14799]} أنهم لا وصول لهم إليه [ ولا خلوص ]{[14800]} { قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ } وأمروه أن يسري بأهله من آخر الليل ، وأن يتَّبع أدبارهم ، أي : يكون ساقة لأهله ، { وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ } أي : إذا سمعت{[14801]} ما نزل بهم ، ولا تهولنَّكم{[14802]} تلك الأصوات المزعجة ، ولكن استمروا ذاهبين [ كما أنتم ]{[14803]} .

{ إِلا امْرَأَتَكَ } قال الأكثرون : هو استثناء من المثبت{[14804]} وهو قوله : { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ } تقديره { إِلا امْرَأَتَكَ } وكذلك قرأها ابن مسعود ونصب هؤلاء امرأتك ؛ لأنه من مثبت{[14805]} فوجب نصبه عندهم .

وقال آخرون من القراء والنحاة : هو استثناء من قوله : { وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَكَ } فجَّوزوا الرفع والنصب ، وذكر هؤلاء [ وغيرهم من الإسرائيليات ]{[14806]} أنها خرجت معهم ، وأنها لما سمعت الوَجْبَة التفتت وقالت{[14807]} واقوماه . فجاءها حجر من السماء فقتلها{[14808]} .

ثم قربوا له هلاك قومه تبشيرًا له ؛ لأنه قال لهم : " أهلكوهم الساعة " ، فقالوا : { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } هذا وقومُ لُوطِ وقُوف على الباب وعُكوف قد جاءوا يُهرعون إليه من كل جانب ، ولوط واقف على{[14809]} الباب يدافعهم ويردعهم وينهاهم عما هم فيه ، وهم لا يقبلون منه ، بل يتوعدونه ، فعند ذلك خرج عليهم جبريل ، عليه السلام ، فضرب وجوههم بجناحه ، فطمس أعينهم ، فرجعوا وهم لا يهتدون الطريق ، كما قال تعالى : { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ [ وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ] } [ القمر : 37 - 39 ]{[14810]} .

وقال مَعْمَر ، عن قتادة ، عن حذيفة بن اليمان قال : كان إبراهيم ، عليه السلام ، يأتي{[14811]} قوم لوط ، فيقول : أنَهاكم{[14812]} الله أن تَعَرّضوا لعقوبته ؟ فلم يطيعوه ، حتى إذا بلغ الكتاب أجله [ لمحل عذابهم وسطوات الرب بهم قال ]{[14813]} انتهت الملائكة إلى لوط وهو يعمل في أرض له ، فدعاهم إلى الضيافة فقالوا : إنا ضيوفك{[14814]} الليلة ، وكان الله قد عهد إلى جبريل ألا يُعذبهم حتى يشهد عليهم لوط ثلاث شَهادات فلما توجه بهم لوط إلى الضيافة ، ذكر ما يعمل قومه من الشر [ والدواهي العظام ]{[14815]} ، فمشى معهم ساعة ، ثم التفت إليهم فقال : أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ ما أعلم على وجه الأرض شرا منهم . أين أذهب بكم ؟ إلى قومي وهم [ من ]{[14816]} أشر خلق الله ، فالتفت جبريل إلى الملائكة فقال : احفظوها{[14817]} هذه واحدة . ثم مشى معهم ساعة ، فلما توسط القرية وأشفق عليهم واستحيا منهم قال : أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ ما أعلم على وجه الأرض أشر منهم ، إن قومي أشر خلق الله . فالتفت جبريل إلى الملائكة فقال : احفظوا ، هاتان اثنتان ، فلما انتهى إلى باب الدار بكى حياء منهم وشفقة عليهم فقال{[14818]} إن قومي أشر من خلق الله ؟{[14819]} أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ ما أعلم على وجه الأرض أهل قرية شرًا منهم . فقال جبريل للملائكة : احفظوا ، هذه ثلاث ، قد حق العذاب . فلما دخلوا ذهبت عجوز السوء فصعدت فلوحت بثوبها ، فأتاها الفساق يُهرَعون سراعا ، قالوا : ما عندك ؟ قالت : ضَيَّف لوطًا قوم{[14820]} ما رأيت قط أحسن وجوها منهم ، ولا أطيب ريحًا منهم . فهُرعوا يسارعون إلى الباب ، فعالجهم لوط على الباب ، فدافعوه طويلا هو داخل وهم خارج ، يناشدهم الله ويقول : { هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } فقام الملك فَلَزّ{[14821]} بالباب - يقول فسده{[14822]} - واستأذن جبريل في عقوبتهم ،

فأذن الله له ، فقام في الصورة التي يكون فيها في السماء ، فنشر جناحه . ولجبريل جناحان ، وعليه وشاح من درّ منظوم ، وهو براق الثنايا ، أجلى الجبين ، ورأسه حُبُكٌ حُبُك مثل المرجان وهو اللؤلؤ ، كأنه الثلج ، ورجلاه إلى الخضرة . فقال يا لوط : { إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ } امض يا لوط عن الباب ودعني وإياهم ، فتنحى لوط عن الباب ، فخرج إليهم ، فنشر جناحه ، فضرب به وجوههم ضربة شدخ أعينهم ، فصاروا عُمْيًا لا يعرفون الطريق [ ولا يهتدون بيوتهم ]{[14823]} ثم أمر لوط فاحتمل بأهله في ليلته قال : { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ } {[14824]} .

وروي عن محمد بن كعب [ القرظي ]{[14825]} وقتادة ، والسدي نحو هذا .


[14793]:- في ت ، أ : "عليه السلام إنه توعدهم بهذا الكلام وهو قوله".
[14794]:- زيادة من ت ، أ ، وفي هـ : "الآية".
[14795]:- زيادة من ت ، أ.
[14796]:- رواه الترمذي في السنن برقم (3116) من طريق الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو به ، ورواه عن طريق عبدة وعبد الرحيم عن محمد بن عمرو ونحو حديث الفضل بن موسى ، وقال الترمذي : "وهذا - أي الطريق الثاني - أصح من رواية الفضل بن موسى وهذا حديث حسن".
[14797]:- زيادة من ت ، أ.
[14798]:- في ت : "بأنهم".
[14799]:- زيادة من ت ، أ.
[14800]:- زيادة من ت ، أ.
[14801]:- في ت ، أ : "إذا سمعتم".
[14802]:- في ت : "ولا تهيلنكم".
[14803]:- زيادة من ت ، أ.
[14804]:- في ت : "من المبيت".
[14805]:- في ت : "من مبيت".
[14806]:- زيادة من ت ، أ.
[14807]:- في ت : "فقالت".
[14808]:- في ت : "فقتلتها".
[14809]:- في ت ، أ : "في".
[14810]:- زيادة من ت ، أ ، وفي هـ : "الآية".
[14811]:- في ت ، أ : "يأتيهم يعني".
[14812]:- في ت ، أ : "أنهاكم الله عنه".
[14813]:- زيادة من ت ، أ ، والطبري.
[14814]:- في ت : "مضيفوك".
[14815]:- زيادة ، ت ، أ.
[14816]:- زيادة من ت ، أ.
[14817]:- في ت ، أ : "احفظوا".
[14818]:- في ت : "وقال".
[14819]:- في ت ، أ : "أشر".
[14820]:- في ت ، أ : "الليلة".
[14821]:- في أ : "فكن".
[14822]:- في ت : "فشده" ، وفي أ : "نسده".
[14823]:- زيادة من ت ، أ ، والطبري.
[14824]:- رواه الطبري في تفسيره (15/429).
[14825]:- زيادة من ت ، أ.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ لَوۡ أَنَّ لِي بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِيٓ إِلَىٰ رُكۡنٖ شَدِيدٖ} (80)

جوابه بِ { لَوْ أنّ لي بكم قوة } جواب يائس من ارعوائهم .

و { لو } مستعملة في التمنّي ، وهذا أقصى ما أمكنه في تغيير هذا المنكر .

والباء في { بكم } للاستعلاء ، أي عليكم . يقال : ما لي به قوة وما لي به طاقة . ومنه قوله تعالى : { قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت } [ البقرة : 249 ] .

ويقولون : مَا لي بهذا الأمر يَدان ، أي قدرة أو حيلة عليه .

والمعنى : ليت لي قوة أدفعكم بها ، ويريد بذلك قوة أنصار لأنّه كان غريباً بينهم .

ومعنى { أو آوى إلى ركن شديد } أو أعتصم بما فيه مَنعة ، أي بمكان أو ذي سلطان يمنعني منكم .

والركن : الشق من الجبل المتّصل بالأرض .