تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَآ أَصَٰبَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (166)

ثم أخبر أن ما أصابهم يوم التقى الجمعان ، جمع المسلمين وجمع المشركين في " أحد " من القتل والهزيمة ، أنه بإذنه وقضائه وقدره ، لا مرد له ولا بد من وقوعه . والأمر القدري -إذا نفذ ، لم يبق إلا التسليم له ، وأنه قدره لحكم عظيمة وفوائد جسيمة ، وأنه ليتبين بذلك المؤمن من المنافق ، الذين لما أمروا بالقتال ،

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَآ أَصَٰبَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (166)

121

ومع هذا فقد كان قدر الله من وراء الأمر كله لحكمة يراها . وقدر الله دائما من وراء كل أمر يحدث ، ومن وراء كل حركة وكل نأمة ، وكل انبثاقة في هذا الكون كله :

( وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله . . . ) . .

لم يقع مصادفة ولا جزافا ، ولم يقع عبثا ولا سدى . فكل حركة محسوب حسابها في تصميم هذا الكون ؛ ومقدر لها علتها ونتائجها ؛ وهي في مجموعها - ومع جريانها وفق السنن والقوانين الثابتة التي لا تنخرق ولا تتعطل ولا تحابي - تحقق الحكمة الكامنة وراءها ؛ وتكمل " التصميم " النهائي للكون في مجموعة !

إن التصور الإسلامي يبلغ من الشمول والتوازن في هذه القضية ، ما لا يبلغه أي تصور آخر في تاريخ البشرية . .

هنالك ناموس ثابت وسنن حتمية . . وهناك وراء الناموس الثابت والسنن الحتمية إرادة فاعلة ومشيئة طليقة . وهناك وراء الناموس والسنن والإرادة والمشيئة حكمة مدبرة يجري كل شيء في نطاقها . . والناموس يتحكم والسنن تجري في كل شيء - ومن بينها الإنسان - والإنسان يتعرض لهذه السنن بحركاته الإرادية المختارة ، وبفعله الذي ينشئه حسب تفكيره وتدبيره ، فتنطبق عليه ، وتؤثر فيه . . ولكن هذا كله يقع موافقا لقدر الله ومشيئته ؛ ويحقق في الوقت ذاته حكمته وتقديره . . وإرادة الإنسان وتفكيره وحركته وفاعليته هي جزء من سنن الله وناموسه يفعل بها ما يفعل ، ويحقق بها ما يحقق في نطاق قدره وتدبيره . فليس شيء منها خارجا على السنن والناموس . ولا مقابلا لها ومناهضا لفعلها ، كما يتصور الذين يضعون إرادة الله وقدره في كفة ، ويضعون إرادة الإنسان وفاعليته في الكفة المقابلة . . كلا . ليس الأمر هكذا في التصور الإسلامي . . فالإنسان ليس ندا لله ، ولا عدوا له كذلك . والله - سبحانه - حين وهب الإنسان كينونته وفكره وإرادته وتقديره وتدبيره وفاعليته في الأرض ، لم يجعل شيئا من هذا كله متعارضا مع سنته - سبحانه - لا مناهضا لمشيئته ، ولا خارجا كذلك عن الحكمة الأخيرة وراء قدره في هذا الكون الكبير . . ولكن جعل من سنته وقدره أن يقدر الإنسان ويدبر ؛ وأن يتحرك ويؤثر ؛ وأن يتعرض لسنة الله فتنطبق عليه ؛ وأن يلقى جزاء هذا التعرض كاملا من لذة وألم ، وراحة وتعب ، وسعادة وشقاوة . . وأن يتحقق من وراء هذا التعرض ونتيجته ، قدر الله المحيط

بكل شيء ، في تناسق وتوازن . .

وهذا الذي وقع في غزوة أحد ، مثل لهذا الذي نقوله عن التصور الإسلامي الشامل الكامل . فقد عرف الله المسلمين سنته وشرطه في النصر والهزيمة . فخالفوا هم عن سنته وشرطه ، فتعرضوا للألم والقرح الذي تعرضوا له . . ولكن الأمر لم ينته عند هذا الحد ، فقد كان وراء المخالفة والألم تحقيق قدر الله في تمييز المؤمنين من المنافقين في الصف ، وتمحيص قلوب المؤمنين وتجلية ما فيها من غبش في التصور ، ومن ضعف أو قصور . .

وهذا بدوره خير ينتهي إليه أمر المسلمين - من واء الألم والضر - وقد نالوه وفق سنة الله كذلك . فمن سنته أن المسلمين الذين يسلمون بمنهج الله ويستسلمون له في عمومه ، يعينهم الله ويرعاهم ، ويجعل من أخطائهم وسيلة لخيرهم النهائي - ولو ذاقوا مغبتها من الألم - لأن هذا الألم وسيلة من وسائل التمحيص والتربية والإعداد .

وعلى هذا الموقف الصلب المكشوف تستريح أقدام المسلمين وتطمئن قلوبهم ، بلا أرجحة ولا قلق ولا حيرة ، وهم يواجهون قدر الله ، ويتعاملون مع سنته في الحياة ؛ وهم يحسون أن الله يصنع بهم في أنفسهم وفيمن حولهم ما يريده ، وأنهم أداة من أدوات القدر يفعل بها الله ما يشاء ، وأن خطأهم وصوابهم - وكل ما يلقونه من نتائج لخطئهم وصوابهم - متساوق مع قدر الله وحكمته ، وصائر بهم إلى الخير ما داموا في الطريق :

( وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله . . وليعلم المؤمنين ، وليعلم الذين نافقوا ، وقيل لهم : تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ، قالوا : لو نعلم قتالا لاتبعناكم . هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان . يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم . والله أعلم بما يكتمون ) . .

/خ179

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَآ أَصَٰبَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (166)

ثم قال تعالى :

{ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ } أي : فراركم بين يدي عدوكم وقتلهم لجماعة منكم وجراحتهم لآخرين ، كان بقضاء الله وقدره ، وله الحكمة في ذلك . [ وقوله ]{[6106]} { وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } أي : الذين صبروا وثبتوا ولم يتزلزلوا .


[6106]:زيادة من جـ، ر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَآ أَصَٰبَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (166)

عطف على قوله : { أو لما أصابتكم مصيبة } [ آل عمران : 165 ] وهو كلام وارد على معنى التسليم أي : هَبُوا أنّ هذه مصيبة ، ولم يكن عنها عوض ، فهي بقدر الله ، فالواجب التسليم ، ثم رَجَع إلى ذكر بعض ما في ذلك من الحكمة .

وقوله : { وما أصابكم } أرادَ به عين المراد بقوله : { أصابكم مصيبة } وهي مصيبة الهزيمة . وإنّما أعيد ما أصابكم لِيعيّن اليوم بأنّه يومَ التقى الجمعان . وما موصولة مضمّنة معنى الشرط كأنّه قيل : وأمّا ما أصابكم ، لأنّ قوله : { وما أصابكم } معناه بيانُ سببه وحكمته ، فلذلك قرن الخبر بالفاء . و { يوم التقى الجمعان } هو يوم أُحُد . وإنَّما لم يقل وهي بإذن الله لأنَّ المقصود إعلان ذكر المصيبة وأنّها بإذن الله إذ المقام مقام إظهار الحقيقة ، وأمّا التعبير بلفظ { ما أصابكم } دون أن يعاد لفظ المصيبة فتفنّن ، أو قُصد الإطناب .

والإذن هنا مستعمل في غير معناه إذ لا معنى لتوجّه الإذن إلى المصيبة فهو مجاز في تخلية الله تعالى بين أسباب المصيبة وبين المصابين ، وعدم تدارك ذلك باللطف . ووجه الشبه أنّ الإذن تخلية بين المأذون ومطلوبِه ومراده ، ذلك أنّ الله تعالى رتّب الأسباب والمسبّبات في هذا العالم على نظام ، فإذا جاءت المسبّبات من قِبَل أسبابها فلا عجب ، والمسلمون أقلّ من المشركين عدداً وعُدداً فانتصار المسلمين يومَ بدر كرامة لهم ، وانهزامهم يوم أُحُد عادة وليس بإهانة . فهذا المراد بالإذن .